اقتصاد » احصاءات

"بعد طفرة 2022".. لماذا واجه الخليج تباطؤاً اقتصادياً في 2023؟

في 2023/12/30

سلمى حداد - الخليج أونلاين-

بعد أن نجحت دول الخليج العربية خلال العام 2022 بالنأي بنفسها عن الأزمة الاقتصادية العالمية الناتجة عن تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا واضطرابات الطاقة والتضخم عادت في السنة الحالية لتلتحق بالركب العالمي وتواجه صعوبات اقتصادية ستتسبب بتراجع جماعي لناتجها المحلي الإجمالي.

لكن العوامل التي ساعدتها على ذلك في العام الماضي وحققت بفضلها مجتمعة نمواً اقتصادياً نسبته 7.3%، لم تعد على حالها خاصة فيما يتعلق بتراجع عائدات مبيعات النفط الخام من جراء انخفاض أسعاره، وخطط تخفيض الإنتاج التي تبنتها الدول الخليجية، ليتجه اقتصادها لتحقيق نمو 1% فقط في 2023.

تباطؤ مرتقب

وتوقع البنك الدولي نمو اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 1% خلال العام 2023، هبوطاً من 7.3% في 2022.

وقال البنك، في تقرير أصدره بشأن توقعاته لاقتصادات منطقة الشرق الأوسط في أكتوبر الماضي، إن "الاقتصادات الخليجية مجتمعة ستنمو بواقع 3.6% في العام 2024".

وأوضح أن الاقتصاد السعودي سينكمش في 2023 بنسبة 0.9%، على أن يعاود الصعود لينمو 4.1% في 2024.

وتوقع نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للإمارات بنسبة 3.4% في نهاية العام الجاري 2023، ليرتفع إلى 3.7% في العام المقبل 2024، في حين سينمو اقتصاد الكويت بنسبة 0.8% في 2023، ترتفع إلى 2.6% في 2024.

وبحسب تقرير البنك الدولي، فإنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد القطري بنسبة 2.8% في 2023، و2.5% في 2024، في حين سينمو اقتصاد سلطنة عُمان بنحو 1.4% في 2023 ترتفع إلى 2.7% في 2024، ومن المقدر نمو اقتصاد البحرين بنسبة 2.8% في 2023 صعوداً إلى 3.3% في 2024.

هذه التوقعات جاءت منخفضة عن توقعات سابقة للبنك في مايو الماضي، بنمو اقتصادات دول الخليج إلى نحو 2.5% خلال 2023، وهو رقم شهد آنذاك هبوطاً من توقعات لذات المؤسسة الدولي بلغت 2.9% في أبريل الماضي.

تحديات اقتصادية عالمية

وتأتي توقعات البنك الدولي في إطار تحديات اقتصادية عالمية، وتغيرات في أسواق النفط، وأوضاع مالية عالمية تؤثر على الاقتصادات الإقليمية، وخاصةً دول الخليج.

وتأتي هذه التوقعات متوافقة مع استطلاع لآراء خبراء اقتصاديين أجرته وكالة رويترز ونشرت نتائجه في أبريل الماضي.

وأظهر الاستطلاع أن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي ستنمو بوتيرة أبطأ بكثير في عام 2023، مقارنة بالعام الماضي، إذ تتأثر مواردها بتراجع عائدات مبيعات النفط الخام وتخفيضات الإنتاج.

وأقرّ تحالف أوبك+، في شهر أكتوبر 2022، خفضاً لإنتاج النفط قدره مليونا برميل يومياً، بدءاً من نوفمبر 2022 إلى ديسمبر 2023، ويضاف إليه خفض طوعي آخر تبنته السعودية حتى نهاية العام الحالي، قبل أن تمدده لنهاية الربع الأول من 2024.

وذكر الخبراء أن آفاق تحقيق المزيد من المكاسب ستكون ضعيفة إلى حد بعيد خلال الأشهر المقبلة من العام 2023 بسبب تباطؤ الطلب العالمي.

ورأوا أنه من المتوقع أيضاً أن يتباطأ النمو في معظم الاقتصادات الكبرى هذا العام، في ظل تأثير رفع أسعار الفائدة بالولايات المتحدة وأوروبا وغالبية الدول على النشاط الاقتصادي، إلى جانب تأثير التضخم المرتفع على طلب المستهلكين.

وفي هذا الشأن يقول خبير الأسواق الناشئة في شركة "كابيتال إيكونوميكس" للأبحاث الاقتصادية، جيمس سوانستون: إن "تخفيضات إنتاج النفط ستؤدي إلى تباطؤ حاد في نمو الناتج المحلي الإجمالي في دول الخليج هذا العام".

وأضاف سوانستون: "ستؤثر الضربة المزدوجة لخفض إنتاج النفط وأسعار النفط على الناتج المحلي الإجمالي النفطي وغير النفطي"، وفق وكالة "رويترز".

وفي الإطار ذاته، تحدثت شركة "بي دبليو سي" (PWC)، في تقرير أصدرته بداية العام 2023، بشأن الاقتصادات الخليجية وأسباب التباطؤ المتوقع.

وقالت الشركة الدولية إن "دول الخليج تمكنت خلال العام 2022، من النأي بنفسها عن الاضطرابات العالمية التي سببتها التوترات الجيوسياسية، والحرب الأوكرانية، وأزمة الطاقة، وتفاقم معدلات التضخم وتقلبات الأسواق، بفضل الأداء القوي عموماً الذي تميّزت به اقتصادات الدول المصدّرة للنفط".

وأشارت إلى أن العوامل التي ساهمت في وصول دول الخليج إلى ذلك لن تتوفر في العام 2023، لذلك هناك احتمالات لتباطؤ النمو الاقتصادي.

وأوضحت أنه مع دخول ثلث اقتصادات العالم في حالة ركود، ومع تراجع أسعار النفط والتوسع بتقليص إنتاج الخام، فإن هذا يقودنا إلى تباطؤ كبير في اقتصادات الدول المنتجة للنفط وخاصة دول الخليج.

النفط.. كلمة السر

صندوق النقد الدولي لا يبتعد عن هذه المؤشرات في نظرته إلى الاقتصادات الخليجية، فهو يتوقع أن تتأثر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عموماً خلال العام 2023 بانخفاض إنتاج النفط وتراجع أسعاره.

وقال الصندوق، في تقرير له بمايو الماضي، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبينها دول مجلس التعاون الخليجي، ستمر بمدة من التباطؤ خلال العام الجاري، بسبب القيود التي فرضها تحالف "أوبك+" على الإنتاج النفطي، وسياسات التشديد النقدي بهدف استعادة استقرار الاقتصاد الكلي.

ورأى أنه بناءً على ذلك، من المتوقع تباطؤ وتيرة نمو اقتصاد الخليج إلى 1.3% بنهاية العام الجاري، لكنه رأى أنها ستعود للارتفاع مرة أخرى إلى 4.3% في 2024.

ودعا صندوق النقد الدول المصدرة للنفط إلى توخي الدقة في إدارة عائداتها النفطية وتجنب التوسع في النفقات الجارية، وتحسين الشفافية في الموازنة؛ إذ من المتوقع أن يؤدي التراجع في أسعار النفط إلى انخفاض إيراداتها.

وشدد على ضرورة أن تتصدى جهود المالية العامة للتحديات التي تفرضها تغيرات المناخ وتحول نظام الطاقة والتنوع الاقتصادي، من خلال الاستمرار في تعبئة الإيرادات غير النفطية مع إجراء إصلاحات لزيادة كفاءة التحصيل الضريبي وترشيد فاتورة الأجور.

كما دعا إلى اتجاه الدول لاستثمار مواردها العامة في مصادر الطاقة المتجددة والبنية التحتية القادرة على تحمل تغيرات المناخ وتشريع الإجراءات التي ترفع السعر الفعلي للكربون.

ما الأسباب؟

وفي تحليل لهذه المؤشرات، يقول الخبير الاقتصادي منير سيف الدين: إن "النمو الاقتصادي الذي حققته دول الخليج في العام 2022 كان مرتبطاً ارتباطاً رئيسياً بالارتفاع الكبير لأسعار النفط الخام وزيادة الطلب عليه".

ويضيف سيف الدين، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "لكن هذا المعيار لم يعد قائماً بشكله السابق حالياً؛ فأسعار النفط تتراجع، والطلب على الخام تراجع كذلك، مع دخول غالبية الاقتصادات العالمية في حالة من الركود".

وأشار إلى أن تقليص تحالف "أوبك+" لإنتاج النفط سبب مهم أيضاً في تقليل الناتج المحلي الإجمالي للدول الخليجية، علاوة على سياسات التشديد النقدي التي تتبعها دول العالم بهدف استعادة استقرار اقتصادها.

لكن الخبير الاقتصادي يرى أن الاقتصادات الخليجية ربما تشهد انتعاشاً في العام 2024 مع بدء التعافي الاقتصادي العالمي وزيادة الطلب على النفط، ما يعني ارتفاع أسعاره مجدداً.

واعتبر أن التوترات السياسية والعسكرية في المنطقة والعالم سيظل لها دور محوري في توجهات اقتصادات دول العالم صعوداً وهبوطاً، "فأي توتر أو حرب ستؤدي حتماً لخلل بالمنظومة الاقتصادية العالمية".

ورأى سيف الدين أن استمرار الحرب في قطاع غزة أو تصاعدها أو وقفها بدون حل سياسي شامل سيعني مزيداً من التوترات السياسية والعسكرية ومزيداً من الاهتزازات لاقتصادات المنطقة والعالم.