اقتصاد » تطوير بنى

السعودية وصناعة المسيرات.. بداية نحو توطينها والاكتفاء الذاتي

في 2024/02/09

يوسف حمود - الخليج أونلاين-

طائرات صغيرة بدون طيار بلا تكلفة تُحلّق في السماء بلا رادع، تقلع وتهبط في بلدة أو غابة أو على ظهر مركب في البحر، تتجسس وترصد وتستهدف بل وتغير مسار المعارك على الأرض، تلك قصة الطائرات المسيرة التي بدأ العالم بالتسابق للحصول عليها وصناعتها.

وتنامى الاهتمام العربي، وخصوصاً لدى السعودية بالمسيرات كسلاح، خلال السنوات الماضية، حيث أتى اهتمامها بهذا المجال بعد أن تلقت نحو 851 ضربة من طائرات مسيرة هجومية على منشآت استراتيجية من الحوثيين، وذلك حسب أرقام رسمية سعودية منذ بدء الحرب في اليمن عام 2015 وحتى عام 2021.

ولجأت المملكة إلى توطين صناعة المسيرات بعد شراء طائرات تركية، وبدأت شركتان سعوديتان في إنتاج مشترك لطائرة Karayel-SU بدون طيار تركية الصنع ومتوسطة الارتفاع، وبدأت بإعلان إنتاج أولى طائراتها، فما سر هذا الاهتمام، وما أبرز ما قامت بتصنيعه؟

ظهور واهتمام

يستمر الاهتمام الحكومي السعودي لتوطين الصناعات العسكرية، وتحقيق مستهدفات رؤية القطاع الواعدة؛ المتمثلة في توطين ما يزيد على 50% من إنفاق المملكة على المعدات والخدمات العسكرية بحلول العام 2030، وهو ما كان لافتاً من معرض الدفاع العالمي في الرياض، مطلع فبراير الجاري.

ولعل الأمر اللافت في المعرض حضور المسيرات السعودية بأسماء منبثقة من صميم الثقافة السعودية، وتاريخها، حيث برزت مسيرات " العنقا – عاصف 1 – عاصف 2 – هبوب – سموم".

وتنقل قناة "العربية" عن سطام القرقاح، رئيس مجلس إدارة شركة العنقا قوله: "لقد صنّعنا طائرات عدة للجهات الحكومية، سواء عسكرية أو حتى في إطار تجاري وتنموي".

وأشار إلى أن "العنقا" نالت 25 براءة اختراع، فيما استوردت تركيا عدداً لافتاً منها لتقدم لهم خيارات المراقبة الأمنية لحركة السفن في ميناء ما يعرف بـ"مرمرة" التركي، مبيناً أن القطاع يشهد نمواً ضخماً.

من جهته رأى سلطان البريكان، الرئيس التنفيذي لشركة الأنظمة الجوية للصناعة، بأن قطاع صناعة المسيرات قطاع واعد، "وبات مغرياً دخوله للشركات، سواء القطاع الحكومي أو تلك التي تعمل في القطاع الخاص".

ولفت إلى أنهم قد بدؤوا العمل على تصنيع طائرة "PD 2"، في مدينة سدير للصناعة والأعمال، إذ تتمتع هذه الطائرة -حسب حديث البريكان- بمدى طيران يصل لـ 10 ساعات، فضلاً عن مدى اتصال يصل لـ 200 كيلومتر، بجانب ارتفاع يصل مداه حتى 5 آلاف متر، مبيناً أن مهمة الطائرة"PD 2" تعد ذات مهام مراقبة واستطلاع.

أبرز ما صنعته المملكة

تنتج المملكة العربية السعودية أنواعاً مختلفة من الطائرات بدون طيار، والتي يمكن تصنيفها إلى نوعين رئيسيين، كالطائرات بدون طيار التكتيكية وهي صغيرة إلى متوسطة الحجم، مصممة للعمليات العسكرية والأمنية، مثل الاستطلاع والمراقبة والهجوم كـ"طائرات صقر وحارس الأجواء".

وصقر "هي طائرة صناعة سعودية، تم تطويرها وتصنيعها بالكامل محلياً من قبل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. وأطلقت لأول مرة في عام 2012، صنع منها 38 مسيرة، أُنتج منها 4 إصدارات مختلفة: صقر1، وصقر 2، وصقر3، وصقر 4، وهي قيد الاستخدام من قبل القوات المسلحة السعودية".

صُنعت الطائرة صقر من الألياف الكربونية والألياف الزجاجية لتتمتع وتتميز بقوة تحمل عالية وخفة في الوزن، وهي قادرة على حمل كاميرات للتصوير وتحديد المسافة باستخدام تقنية حديثة، وقد تم حساب القوة المؤثرة عليها عن طريق استخدام برامج المحاكاة والتحليل.

أما حارس الأجواء هي "درون سعودية و طائرة بدون طيار تكتيكية متوسطة الحجم ومتعددة المهام، تم تطويرها وتصنيعها بالكامل في السعودية من قبل الشركة السعودية للصناعات العسكرية بالشراكة مع هيئة الصناعات العسكرية السعودية".

تم توقيع عقد تطوير هذه الطائرة في أكتوبر 2021، وهي إحدى نتائج مشاريع البحث والتطوير المتعددة في مركز الأمير سلطان للدراسات والبحوث الدفاعية، وتهدف إلى تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية ورفع الجاهزية العسكرية للمنظومة الدفاعية بالمملكة، وبناء قاعدة ابتكارية وتقنية رائدة دولياً وإقليمياً.

الطائرات الاستراتيجية

النوع الثاني مما تصنعه المملكة هي الطائرات بدون طيار الاستراتيجية، كبيرة مصممة للعمليات طويلة المدى، مثل "الاستطلاع والمراقبة والهجوم"، وأبرز الطائرات الاستراتيجية بدون طيار هي "ساموم وبيرق".

وساموم هي طائرة بدون طيار استراتيجية بأيدٍ سعودية من صناعة شركة إنترا للتقنيات الدفاعية السعودية، تم الكشف عنها لأول مرة في معرض الدفاع العالمي في الرياض عام 2022، وهي أول طائرة بدون طيار استراتيجية تصمم وتصنَّع بالكامل في المملكة العربية السعودية.

ويبلغ طول جناحيها 24 متراً  وتتميز بقدرتها على الطيران 50 ساعة متواصلة، وعلى ارتفاع يصل إلى 40 ألف قدم، وتعمل بنظام تحكم عن طريق الأقمار الصناعية، ويمكن استخدامها في نظام الاستطلاع وبعض المهمات الخاصة، ويتوقع أن تدخل الطائرة الخدمة مع القوات المسلحة السعودية خلال العام الجاري 2024.

شراكات خارجية

ولا تتوقف جهود الرياض في تطوير قدراتها العسكرية المختلفة، ونقل صناعة الطائرات المسيرة العسكرية لصناعتها على أراضيها، حيث أعلنت، في يوليو الماضي 2023، شراكة مع تركيا لتصنيع طائرات من دون طيار عسكرية، وتم توقيع عقد استحواذ مع شركة "بايكار" التركية تتعلق بـتوطين صناعتها محلياً.

وقال وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان حينها: "جرى التوقيع على عقد استحواذ بين وزارة الدفاع وشركة بايكار التركية للصناعات الدفاعية، تستحوذ بموجبها وزارة الدفاع على طائرات مسيّرة بهدف رفع جاهزية القوات المسلحة وتعزيز قدرات المملكة الدفاعية والتصنيعية".

وأشار بيان لوكالة الأنباء السعودية إلى أن الاتفاق المبرم تضمن تصدير مسيّرات هجومية من طراز "بيرقدار إكنجي تيها"، وتصنيع الأنظمة الإلكترونية والقطع الميكانيكية وهياكل الطائرات باستخدام المواد المركبة والتصنيع والاختبارات النهائية للطيران، إلى جانب تقديم خدمات التدريب والإسناد.

في حين يتضمن اتفاق آخر مع "إسلسان" و"روكتسان" التركيتين توطين صناعة الذخائر والمستشعرات البصرية لمنظومة الطائرات المسيّرة وتصنيعها داخل المملكة.

وكانت شركة "إنترا" للتقنيات الدفاعية أول شركة سعودية تبدأ الاستثمار في المجال قبل بضعة أعوام، إذ أعلنت أول مصنع للطائرات من دون طيار داخل السعودية وفق أعلى المعايير العالمية، وكشفت في معرض الرياض للطيران 2023 عن أولى طائراتها.

ولا تكشف المملكة عما تنفقه في شراكاتها بشأن الطيران المسيرة، لكنها قالت في 2022، إنها تخطط لاستثمار أكثر من 20 مليار دولار في صناعاتها العسكرية خلال العقد القادم، في إطار رؤيتها الهادفة إلى تطوير الصناعة العسكرية.

اهتمام دولي وإقليمي

وفي محيط إقليمي في الشرق الأوسط يزخر بالصراعات المسلحة، سواء بين جيوش أو جماعات، أصبحت المسيرات سلاحاً يثير المخاوف، فالجميع يملك بشكل أو بآخر مسيرات نظراً لصغر حجمها وقلة كلفتها.

تشير تقديرات معهد الدراسات السياسية الدولية (ISPI) إلى أن القوى في الشرق الأوسط (باستثناء إسرائيل) أنفقت ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار على الطائرات العسكرية بدون طيار على مدى السنوات الخمس الماضية.

وخلال السنوات الأخيرة، شهد العالم نزاعات أدت فيها المُسيرات أدواراً حاسمة، منها خمس معارك مهمة في سوريا واليمن وليبيا، وكذلك في إقليم "ناغورني قره باغ" بين أذربيجان وأرمينيا، وفي الحرب المتواصلة حالياً في أوكرانيا، التي ذاع فيها صيت الطائرات المُسيرة أكثر من أي صراع عسكري.

وتحولت أوكرانيا إلى مختبر للمُسيرات لأكثر من دولة باتت تعتقد أن مفتاح الحرب الحديثة يكمُن في السيادة الجوية.