اقتصاد » تطوير بنى

السعودية والإمارات تستثمران في الذكاء الاصطناعي: المتطلبات والتحديات

في 2024/05/07

عبد الحافظ الصاوي- البيت الخليجي- 

أصبح الأمن القومي يفرض متطلبات جديدة من أهمها امتلاك التكنولوجيا، وفي الوقت الذي يمثل فيه الجانب العسكري مكونًا مهمًا في الأمن القومي فإن الجانب الاقتصادي لا يقل أهمية، ولهذا، نرى سباقًا بين القوى الكبرى في مجالات البحث والتطوير وامتلاك التكنولوجيا. لعل أهم ما يميز الولايات المتحدة ودول أوروبا في صراعها مع الصين على مدار العقدين الماضيين على الأقل، هو التفوق التكنولوجي، ولذلك، نجد أن معظم العقوبات الأميركية وأكثرها تأثيرًا على الصين تلك التي تركز على حجب التكنولوجيا.

في خطوة مهمة من جانب بلدين خليجيين مهمين، وهما السعودية والإمارات، بدأت الدولتان خطوات تجاه أحدث مجالات الجانب التكنولوجي وهو الذكاء الاصطناعي، في الإمارات، أُعلن عن تأسيس شركة برأس مال 100 مليار دولار للعمل في الذكاء الاصطناعي وأشباه المواصلات، وفي السعودية أُعلن عن التخطيط والتأسيس للاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي وأشباه المواصلات.

الذكاء الاصطناعي وتأثيراته المنتظرة

منذ مطلع التسعينات ألقت التكنولوجيا بظلالها على مختلف جوانب الحياة في الدول المتقدمة والنامية على السواء، وفيما يتعلق بتأثير الذكاء الاصطناعي على التوظيف والاقتصاد العالمي، أصدر صندوق النقد الدولي مؤخرًا تقريرًا له بهذا الشأن، أوضح فيه، أن التأثيرات السلبية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على التوظيف ستكون بحدود 60% في الدول المتقدمة، وبنحو 40% على مختلف دول العالم، وأن الوظائف التي ستتأثر بشكل أكبر، هي تلك المتعلقة بالعمالة المؤهلة.

في حالة السعودية والإمارات، قد يكون الأمر إيجابيًا نظرًا لقلة أو ندرة الموارد البشرية، قد يكون التقدم الحاصل في مجال الذكاء الاصطناعي مساعدًا لهما في الاستغناء عن العمالة الوافدة، وبخاصة المؤهلة منها، وبذلك يتحقق لكل من الإمارات والسعودية التخلص من واحدة من أهم نقاط الضعف، أو تلك التي تمثل أحد التحديات القائمة لأمنهما القومي، والمتمثل في وجود أجانب يمثلون نسبة معتبرة من السكان، وفي نفس الوقت سيكون لديهم فرصة للتحكم في مفاصل الدولة، وإدارة شؤونها.

المتطلبات لدخول سوق إنتاج التكنولوجيا

ثمة مجموعة من العناصر المهمة لدخول أي بلد لمجال إنتاج التكنولوجيا، وعلى رأسها التمويل والموارد البشرية، لا يمثل التمويل بالنسبة للإمارات والسعودية عائقًا، فهي دول نفطية وتحتكم على أرصدة مالية استثنائية في صناديقها السيادية، وكذلك ضمان تدفق التمويل من النفط على مدار سنوات قادمة على المديين المتوسط والطويل.

تفيد البيانات المتاحة من خلال معهد التمويل الدولي لعام 2023 بامتلاك الصندوق السيادي لإمارة أبو ظبي نحو 993 مليار دولار، يضاف إلى ذلك وجود عدة صناديق سيادية لباقي الإمارات المكونة للاتحاد، وبذلك لدى الإمارات ما يزيد عن 1.3 تريليون دولاراً كثروة سيادية، بينما السعودية لديها أصول مملوكة لصندوقها السيادي تقدر بنحو 941 مليار دولار.

توظف هذه الأصول في مجالات مختلفة من بينها العقارات والمحافظ المالية (الأسهم والسندات) بأسواق المال، والقطاعات السياحية. مؤخرًا، اتجهت الصناديق السيادية لكل من الإمارات والسعودية للعمل بمجالات الزراعة والصناعة، وإن كان ذلك بشكل لا يزال محدودًا.

الخطوة الأخيرة لتبني نهج جديد للدخول في مجالات التكنولوجيا هي توجه محمود جيد وإن جاء متأخرًا، يمكننا أن نتصور لو أن السعودية والإمارات وباقي الدول النفطية العربية اتجهت للاستثمار في التكنولوجيا منذ مطلع التسعينات، لكان العائد والقيمة المضافة أضعاف ثروات تلك الدول الآن، ولكان ترجمة حقيقية صادقة لتنوع مصادر الاقتصاديات النفطية العربية، ولكفاها واحدة من أهم التحديات التي تواجهها وهو الاكتفاء الذاتي في مجالات كثيرة على رأسها التسليح.

ولنرى أثر غياب الإمارات والسعودية على الصعيد التكنولوجي في واحد من المؤشرات الخاصة بالصادرات السلعية، وهو صادرات التكنولوجيا المتقدمة، تفيد قاعدة بيانات البنك الدولي أن تلك الصادرات على مستوى العالم بلغت 3.4 تريليون دولار، بينما بلغت في الإمارات نحو 3.2 مليار دولار وفي السعودية نحو 158 مليون دولار، ويرجع ارتفاع المؤشر في الإمارات إلى عمليات إعادة التصدير التي تقوم بها الدولة حيث تستورد سلع نصف مصنعة وتقوم بتقديمها كمنتج نهائي، لكن على كل حال فأداء الدولتان شديد التواضع.

مؤشرات البحث العلمي

بالإضافة إلى التمويل، تعد الموارد البشرية العاملة في مجال البحث والتطوير العنصر الأكثر أهمية في الاستثمار في القطاع التكنولوجي، وحسب ما هو منشور في قاعدة بيانات البنك الدولي، نشير إلى عدة مؤشرات مهمة في مجال البحث والتطوير اللازم للعمل في حلبة الذكاء الاصطناعي وأشباه المواصلات خلال الفترة القادمة.

الإنفاق على البحث والتطوير كنسبة من الناتج المحلي

 بلغ الناتج المحلي الإجمالي في السعودية عام 2022 نحو 1.10 تريليون دولار، وبلغ في دولة الإمارات 507 مليار دولار، وقد ساهم في ارتفاع الناتج المحلي للدولتين خلال ذلك العام، ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية. إلا أن إنفاق الإمارات على البحث والتطوير كنسبة من الناتج المحلي بلغ 1.5% وبلغ في السعودية نحو 0.45%، ويلاحظ أن أداء الدولتين أقل من المتوسط العالمي البالغ 2.71%. كما أن أداء الدولتين تعتبران أقل من أداء الدول الرائدة في مجال التكنولوجيا كالولايات المتحدة بنحو 3.4% واليابان بنحو 3.3% وكوريا الجنوبية بنحو 4.9% والصين بنحو 2.4%. وعلى الصعيد الإقليمي نجد أن إسرائيل تحقق نسبة بنحو 5.56% وفق هذا المؤشر.

مقالات المجلات العلمية والتقنية

هذا المؤشر مهم وضروري فالجوانب النظرية هي التي يبنى عليها التطوير، وتعد هذا المقالات المنتج الملموس لمراكز الأبحاث والجامعات. ووفق هذا المؤشر عام 2020 بلغ المتوسط العالمي 2.9 مليون مقال، وفي الإمارات بلغ هذا المؤشر 4.4 ألف مقال وفي السعودية 1.7 ألف مقال، يبلغ عدد المقالات في الصين في نفس العام نحو 669 ألف مقال وفي الولايات المتحدة 455 ألف مقال، وفي اليابان 101 ألف مقال، وفي كوريا الجنوبية 72 ألف مقال، وفي إسرائيل 13.9 ألف مقال.

الباحثون العاملون في مجال البحث والتطوير

 يبلغ عدد الباحثين العاملين في مجال البحث والتطوير لكل مليون فرد حسب المتوسط العالمي 1525 باحث، في الإمارات بلغ هذا المؤشر 2.6 ألف باحث، وفي السعودية 692 باحث، بينما بلغ هذا المؤشر في كوريا الجنوبية 9 آلاف باحث، وفي اليابان 5.6 ألف باحث وفي الولايات المتحدة نحو 4.4 ألف باحث.

ومن هنا يمكن القول، أن التحديات التي تفرض نفسها لنجاح كل من الإمارات والسعودية لخوض غمار إنتاج التكنولوجيا بمجال الذكاء الاصطناعي وأشباه المواصلات، يكمن في الحاجة الضرورية لزيادة حجم الإنفاق على البحث والتطوير، وأن تستلهم تجارب دول بارزة في هذا المجال، مثل تايوان، التي استطاعت أن توجد لنفسها مكانة رائدة على مستوى العالم لإنتاج أشباه المواصلات، التي يتم استخدامها في كافة المجالات العسكرية والمدنية.

يجب أن يتم التركيز على الجوانب البشرية وتنميتها بشكل كبير ويتناسب مع طبيعة العمل في المجال، وبخاصة أولئك العاملين من مواطني الدولتين حتى يستطاع الإفادة من تلك الكوادر البشرية بشكل صحيح ومؤثر.