مجتمع » تعايش

خيبة الدليل الموحد لنشر الديمقراطية

في 2015/08/14

كمال الذيب- الأيام- الإشكاليات التي تطرحها التحولات التي يحاول «الخارج» فرضها علينا وجرنا إليها جرا، تحت عنوان تعميم ونشر الديمقراطية انتهت بنا إلى الفوضى في أكثر من بلد عربي، سواء بانهيار الدولة كبنية جامعة، او من خلال تشظي المجتمع والعودة به الى البنى الإقتتالية الطائفية والقبلية.
هذا كل ما نجح فيه الى حد الان اصحبا نظرية الفوضى الخلاقة: تفكك دول تدمير البنية الوطني، وخلق فرصة للاقتتال الطائفي.
وكمثال على النتائج غير الحميدة لهذه الفوضى نستذكر على الصعيد المحلي كيف كان البلد يمضي قدما نحو تكريس تجربته الديمقراطية الخاصة بحسناتها ونواقصها (انتخابات– وبرلمان فاعل-وحريات إعلامية واسعة-قانون للجمعيات-قانون لمباشرة الحقوق السياسية -مساواة بين الرجال والنساء-فصل بين السلطات. الخ).
تلك الإشكاليات اتسع مداها واشتغلت رحاها منذ اللحظة التي اراد هذا الخارج وقرر انه قد آن الأوان للتغيير «الديمقراطي»، فانطلقت اللعبة المرسومة سلفا بدايتها ونهايتها وبيادقها التي أفضت بنا إلى دوامة « المواجهة» التي أرادها العراب الأمريكي، واتضح ان هذه الحركة التي تم فرضها على الشارع كانت ذات طابع تبعي، ولذلك جاءت مرتبكة في توقيتها وفي مضمونها وفي شعاراتها وتحالفاتها الخارجية، ولذلك خسر المجتمع منذ البداية وحتى اليوم الكثير، سواء على الصعيد السياسي او على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، جريا وراء ديمقراطية «تسليم المفاتيح» والتي دارت اغلب فصولها في السفارة الأمريكية في شكل قاعة عمليات يومية لإدارة المعركة» الديمقراطية» ضد الدولة والسلطة والمجتمع ايضا. ونلاحظ هنا ان العملية جرت وما تزال تجري وفقا» لدليل الاستخدام الأمريكي: الحركة في الشارع-التصريحات-البيانات-التحالفات-الصورة على طاولة الغياب-اللغة-إعلان الوثائق الديمقراطية. الخ بحيث تبدو الأمور وكأنها «ثورة من اجل الحرية والديمقراطية ومدنية الدولة» ولكن إذا ما عدنا الى التحليل في بعده الواسع نلاحظ ان اللعبة كبيرة وان الجميع كان فيها كمجرد قطعة شطرنج تم التلاعب بها ضمن الخطة ألف او الخطة باء، (تذكروا تلك الاجتماعات المكثفة وغير المنقطعة التي كانت تحتضنها السفارة الأمريكية وكأنها الحاضنة الطبيعية لقوى المجتمع المدني والراعية لها!) المشروع أمريكي- أوروبي سعى لإغراق المنطقة في الطائفية القاتلة ووفي التقسيم الطائفي للقضاء على أي أمل في نهوض عربي على أساس قومي، والتقسيم مداره توزيع أوطان وتوزيع موارد النفط والغاز والجغرافيا، ولذلك فان ما شهدته المنطقة لم يكن “ربيعاً” وإنما “سايكس بيكو” جديد لتقسيم العالم العربي وتقاسم موارده ومواقعه، فالثورات لا تصنع ويستحيل أن تنجح بهذا الأسلوب باعتبارها فعلا لا يتم بطريقة “تسليم المفاتيح” من قوى خارجية تطلب السيطرة ولا تريد إلا مصالحها فقط. ولذلك نعتقد ان القصة في البحرين لم تنطلق من لحظة استبداد، بل انطلقت من لحظة كانت البلاد فيها تتقدم حثيثا على طريق الإصلاح والتطوير والمراجعة والقابلية للتطوير. وفي مقابل المرحلية السياسية في الإصلاح الديمقراطي التي اختارها المشروع الإصلاحي في البحرين كانت هنالك محاولة في فبراير 2011 وما تلاه للقفز في الهواء على الواقع ومعادلاته والواقعية، التي تفترض المرحلية كآلية للانتقال إلى الديمقراطية والتي لا تقتصر على الانتخابات فقط، بل ترتبط بنشر وانتشار الثقافة الديمقراطية بكافة مكوناتها الثقافية والسياسية والحقوقية. فالقفز إلى حالة الديمقراطية الكاملة غير ممكن من الناحية العملية إلا في حالة الثورات التي لا تبقي ولا تذر، وفي هذه الحالة فإن الحالة الثورية غالبا ما ترتبط بحالة من الفوضى والاعتداء والانتقام، وبالتالي يتم إحلال ما يسمى بالديمقراطية الثورية محل الحالة السابقة، وهي في الغالب حالة معادية للديمقراطية وللحقوق الانسان عامة بل هي اقرب الى الدمار الشامل (يكفي النظر الى الحالة اللبيبة فقط كمثال واح)..
ولا شك هنا ان المجتمع المدني يلعب الدور الأكبر في بناء الثقافة الديمقراطية وتأسيس التوجه الديمقراطي في النهاية، ولذلك يمثل اليوم تحديا جديدا لثقافتنا السائدة، لا فقط لغياب تقاليد الحرية والاختلاف والتسامح والمواطنة، ولكن أيضا لأخطاء بعض المنظرين لهذا المفهوم ولعل من أبرزها سعيهم إلى إسقاطه على الواقع العربي بمنطق غربي لا يأخذ بالاعتبار خصوصية العلاقة بين السياسة والدين وجدلية المراحل في بناء الديمقراطية الوطنية على أسس دستورية مؤسساتية، إذ أن هشاشة التجارب في الحقل الثقافي والسياسي العربي ترجع لغياب الفهم الواقعي لطبيعة السياسة والاجتماع والخلط بين علاقة الدين بالسياسة وعلاقة الدين بالدولة، سواء من ناحية عقلنة المؤسسات المدنية، أو من ناحية مفهوم العقد الاجتماعي والوفاق التاريخي.
إن شروط تحقيق هذا الواقع في حياتنا المدنية يمكن توفيرها إذا توفقنا إلى مقاربة شاملة للمشاركة السياسية، ودور الدين في الحياة وحدود وظيفته، بالإضافة إلى معنى المواطنة وشروطها، فكلما تأخر المجتمع المدني في التشكل والوجود والفعل في التصدي لإشكاليات الديمقراطية والإيديولوجية الدينية وحقوق الإنسان في المواطنة الحرة، تفاقمت هذه المشكلات، وذلك لان المجتمع المدني هو قبل كل شيء مطلب تاريخي لا مفر منه يتحمل فيه المثقفون المسؤولية الأولى إذا تخلصوا من عقدة الاستقالة من الشأن العام ولوثة الايدولوجيا الطوباوية ونزعة التبعية بكافة أشكالها وأولها سلطة المرجعية الدينية التي تجعل أي ثقافة ديمقراطية بدون معنى وبدون محتوى على الصعيد العملي لأنها تعمل في اتجاه معاكس لتكريس الديمقراطية والعقلانية في السياسة والمجتمع والفكر.
إن الاعتقاد بإمكانية انجاز الديمقراطية دفعة واحدة بمجرد استيلاء المعارضة على السلطة هو اعتقاد ساذج وغير واقعي، والأمثلة في الواقع العربي او غير العربي تؤكد استحالة حدوث مثل هذا التحول، لان الديمقراطية بناء حضاري وثقافي مجتمعي تدريجي لا يتحقق من خلال الاستيلاء على السلطة ولو من خلال صناديق الاقتراع.