مجتمع » حريات وحقوق الانسان

خطر مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية!

في 2015/08/14

سطام المقرن- الوطن- لا شك أن تلك الفتاوى والنظريات الفقهية التي تتصل بنظام الأسرة وحقوق المرأة ومشاركتها في الانتخابات البلدية، تصدر من مفروضات وأحكام مسبقة، ومن خلال رؤية تاريخية قديمة

مع قرب الاستعدادات للانتخابات البلدية في المملكة في دورتها الثالثة، والتي ستشارك فيها المرأة ولأول مرة كناخبة ومنتخبة، طالب أحد الدعاة بإحالة هذا الموضوع إلى هيئة كبار العلماء؛ لإبداء الرأي الشرعي فيه! مع العلم أن الأمر قد حسم من قبل كبار العلماء، وتقرر السماح للمرأة بالمشاركة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كمجلس الشورى والانتخابات البلدية وغيرهما من المجالات.  

ومشاركة المرأة في الانتخابات البلدية تعد في الحقيقة من موارد الخلاف بين الفقه التقليدي القديم وبين الفقه الحداثي العقلاني في دائرة حق المرأة في تولي المناصب والمسؤوليات السياسية والاجتماعية في المجتمع، حيث يرى أتباع الفقه التقليدي القديم بعدم جواز تولي المرأة المناصب الوزارية، والترشيح لمجلس الشورى، والانتخابات البلدية، وأمثال ذلك من المناصب الحساسة في إدارة المجتمع.

بينما يرى أصحاب الفقه الحديث والعقلاني أن "الإسلام لا يمانع من تولي المرأة هذه المسؤوليات إذا أحرزت في نفسها الكفاءة العلمية، والقدرة النفسية للقيام بهذه المهام، وما ذكر من آراء وشواهد روائية لا تعدو حالات استثنائية أو نصوصا ضعيفة أو إسقاطات فكرية تستوحي مقوماتها من ثقافة البيئة والعرف الاجتماعي في العصور السابقة، فلا يصح بأي حال نسبتها للإسلام والقرآن كأحكام مطلقة".

وفيما يلي استعراض آراء أصحاب الفقه التقليدي القديم بالتحليل والنقد فيما يتعلق بعدم جواز مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية، حيث يقول أحد الدعاة ما نصه "لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة إباحة تولي المرأة لأية ولاية عامة، والانتخابات والترشيح لها من الولايات العامة، كما لم ترد إباحة الانتخابات لهن.. بل نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن تولي المرأة أية ولاية عامة في قوله (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) حديث صحيح".

ومن النص السابق، يتضح أن هؤلاء الفقهاء أو الدعاة يرون عدم صلاحية المرأة في المشاركة في الانتخابات البلدية إطلاقاً، ويقول فقيه آخر "ليس في استطاعة المرأة أن تصبح رجلاً وقد قسمت طبيعة المخلوقات إلى ذكر وأنثى.. فلمَ تترجل في سلوكها وتطلب ما لا يتفق مع طبيعتها؟".

أما على مستوى الاستدلال لصالح تلك الرؤى والفتاوى الفقهية، فكما رأينا آنفاً الغالب هو الاستدلال بالإجماع، وكذلك آية القوامة وبعض الروايات، ثم بعد ذلك يستند هؤلاء الفقهاء إلى سرد بعض المخاطر التي تتعلق بمشاركة المرأة في الانتخابات البلدية، ومنها على سبيل المثال: الاختلاط بالرجال، وخروج المرأة من بيتها، وتفكك الأسرة، وتطبيق اتفاقية سيداو المخالفة لشريعة الإسلام، فضلاً عن تغريب المجتمع.

أما بخصوص الاستدلال العقلي، فيتمسك أصحاب الفقه التقليدي بالفرق بين طبيعة الرجل والمرأة، إضافة إلى طبيعة المرأة التي تغلب عليها العاطفة،  فيقولون "طبيعة المرأة لا تتناسب مع المجلس البلدي، حيث إن المجالس هي رقابية تقريرية وتتطلب النزول إلى الميدان ومتابعة المشاريع وتنفيذها ورصد التقارير حولها، وكل ذلك لا يتناسب مع طبيعة المرأة ويتناقض مع خلقتها التي خلقها الله لها"، إضافة إلى سرد أمثلة لما أفسده التغريب في الدول المجاورة، وها هو يظهر أمام الناس في بلاد التوحيد!

كنت تحدثت في مقالات سابقة، عن أن قوامة الرجل الموجودة في الآية الكريمة ليس معناها الرئاسة والولاية كما يفهما بعض الدعاة والفقهاء اليوم، والشاهد على ذلك أن القرآن الكريم والأحاديث الشريفة قررت مبدأ القوامة لجميع المؤمنين والمؤمنات، يقول الله عزّ وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ..) سورة المائدة 8، وفي الحديث الشريف "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" والمخاطب في هذه النصوص هم المؤمنون جميعاً من الرجال والنساء، ولا يختص بالرجال وحدهم.

أما فيما يتعلق بالحديث النبوي القائل: "لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة"، فقد عدّ الفقهاء كلمتي (قوم) و(امرأة) نكرة وقعت في سياق النفي، وعليه تمنع كل امرأة في أي عصر من العصور من أن تتولى أي شيء من الولايات العامة، مع أن صياغة الحديث هو الخبر لا الإنشاء، ومضمون الخبر هو قضية خارجية تتعلق بدنيا الناس، وعن زوال ملك فارس، وليس تشريعاً عاماً يحرّم تولي المرأة للمناصب القيادية في الدولة.

لا شك أن تلك الفتاوى والنظريات الفقهية التي تتصل بنظام الأسرة وحقوق المرأة ومشاركتها في الانتخابات البلدية، تصدر من مفروضات وأحكام مسبقة، ومن خلال رؤية تاريخية قديمة، فالقدماء ينظرون إلى مهمة المرأة في الدرجة الأولى تكثير النسل لحفظ البشرية، والكثير من الحقوق التي تمنح للمرأة أو تسلب منها تقوم على هذه النظرية، وهذا هو النظام الطبيعي للأسرة، وكان بعض القدماء يرون أن الرجل هو إنسان من الدرجة الأولى، والمرأة من الدرجة الثانية، وهناك فروق جسمانية ونفسية بين المرأة والرجل.

وعلى هذا الأساس، كان الفقهاء القدماء بذلك التصور يستنبطون الأحكام الفقهية من القرآن والسنة، ويفترضون أن الله عزّ وجل لا يصدر أحكاما على خلاف النظام الطبيعي للأسرة، الذي خلق هو في نظرهم، ثم جاء الأتباع الذين يعتقدون بأن الأحكام الواردة في صدر الإسلام لنظام الأسرة هي أحكام دائمة لا يمكن تغييرها، فالأحكام المسبقة لديهم أو الصورة الذهنية لهم تتلخص في لزوم الحركة في ظل القانون الأبدي والطبيعي فيما يتعلق بالمرأة والأسرة، ولا يخطر في بالهم إمكانية التغيير في هذه الأحكام!

ولكن مع التحولات الاجتماعية والثقافية في كافة المجتمعات ومنها مجتمعنا السعودي، وما فرضته ضرورة الحياة المعاصرة تبين بوضوح أن الإصرار على المنهج القديم يثير عدة إشكاليات، أسميها "أزمة فقهية" لم يتم التعامل معها بالشكل المطلوب للأسف الشديد.