ثقافة » مناهج

ألغام تحت أقدام وزير التربية !!

في 2015/08/20

محمد العوضي- الرأي- بعد كل أزمة تأخذ طابع العنف الديني أياً كانت درجاته وأدواته، يتجدد الحديث عن علاقة المناهج التعليمية الدينية بالفكر المتطرف وهل محتواها يساهم في تكريس روح التعصب أم تعزز قيم التسامح ؟ ويتصدر الحدث في وجدان المجتمع وحواراته بنخبه الفكرية كتابة ومحاضرات، وتتعالى الأصوات السياسية في البرلمان،ويسود الحدث في المجالس اليومية والدواوين، وهنا تتداخل الأطروحات الموضوعية في الدعوة إلى تطوير المناهج وغربلتها بالتوظيف الخاص وبناء مجد شخصي باستثمار الحدث المر الدامي لتصفيات حسابات بعيدة أوقريبة، الى آخر ما يتوقع من هذا الإنسان الذي تتنازعه جملة دوافع ومصالح متداخلة، بعضها يصب في الصالح العام والمنطق السديد وبعضها قابل للفحص والأخذ والرد وبعضها ذاتي شخصاني وبعضها ممجوج وشاطح.

وتم اقتراح ومطالبة بتدريس المذاهب الدينية تفصيلا في مناهج التعليم العام وذُكرت مبررات.

وهنا ينبغي أن نؤكد قيمة مطلقة ومتفقا عليها ألا وهي أهمية مراجعة المناهج الدينية (وغيرها) وتطويرها.

أما أن يتم إغراق التعليم العام بتفاصيل وتفريعات المذاهب الدينية الفقهية فهذا لنا عليه عدة ملحوظات:

1- يجب التفريق بين منهج التعليم العام ومنهج التعليم الديني، فالطالب بالتعليم العام لا يحتاج لتفصيل دقيق لما يحتاجه التعليم الديني. وإنما يتم الترميز على القواعد الكلية المشتركة والقيم الأخلاقية العليا.

2- ضرورة مراعاة الفئة العمرية اثناء وضع المنهج، فالطالب بالمرحلة الابتدائية يحتاج الى الانشطة والمهارات والقيم اكثر من حاجته الى كم من المعلومات قد لا يستفيد منها في حياته العملية

3- علينا البعد التام عن ذكر اي مذهب من المذاهب الاسلامية، ويكتفى بذكر رأي الجمهور أو رأي الفتوى الرسمية للدولة حتى لا يتشتت ذهن الطالب بين اقوال المذاهب المختلفة

4- وجوب البعد التام عن جعل الطالب بالمرحلة الابتدائية ( خاصة ) منساقا ومطواعا في إصدار حكم التكفير على الغير المخالف، أو على من لا يلتزم بأحكام الدين، فالطالب يجب أن يتعرف على أصول الدين مثل أركان الإسلام وأركان الإيمان، أما تمييع واستسهال إصدار الأحكام بالتكفير على الآخر هو من أعظم الأخطار على شخص من مارس التكفير قبل غيره، ويجب على واضعي المناهج التنبه لهذه «الجريمة التربوية»، والأصل أن يتم توجيه الطلبة إلى أن الكفر حكم شرعي يشمل من لا يؤمن بالله والرسول أو اليوم الآخر ويأتي بنواقض الإيمان بضوابط وشروط، وأن للعلماء تفصيلا فقد يمارس الإنسان وينطق بالكفر جهلا أو تأويلا فيفرقون بين الحكم المجرد ويتورعون في إطلاقه على الشخص المعين وتفاصيل احتياطية كثيرة، مع تأكيد عظمة الإسلام في التعامل باحترام وإحسان وعدل مع كل مخالف مسالم، كي ينعكس ذلك في التعامل بالحسنى مع أقرب من يحتك بهم مثل الخادم أو الأجنبي في البيت أو الشارع.

في الأيام الأولى من التفجير الإرهابي لمسجد الصادق كانت نفوس الجميع متوترة مأزومة ما يجعلنا نتفهم صدور بعض التصريحات والألفاظ غير المقبولة اجتماعيا ودينيا لو كانت قد أُطلقت في الظروف الطبيعية، وقد يكون من المناسب جدا استحداث وتفعيل مادة دراسية تعنى بالقيم الإنسانية المجتمعية وفق الإطار الشرعي في التعامل.

وأظن أن السيد وزير التربية هو المعني الأول بما يطرح من اقتراحات لتطوير المناهج، لكن كلمة التطوير ذات دلالات لا أفق لها، وأحدها قد يأخذ معنىً مضادا للتطوير ذاته لأن العبرة بمعاني الكلمات لا بمبانيها.

وبالنسبة للوزير، وهو أستاذ أكاديمي، فإن الألغام المنثورة تحت أقدامه التي طرحها الكثيرون ليست هي التحدي.

وإنما التحدي الأكبر له ولنا جميعا هو اللغم الداخلي النفسي الانفعالي، وبما أن الشحنات النفسية التي كانت تعمنا من هول كارثة التفجير قد تراجعت لمصلحة حكم العقل والتفكير الرشيد المتوازن، فإن تداول موضوع تطوير وإصلاح المناهج الدينية منوط بأهل الاختصاص والأكاديميين واللجان المعنية. وهؤلاء هم الذراع العلمي للوزير الذين تنتظر الكويت منهم الكثير للارتقاء بأبنائها.