مجتمع » تعايش

الحوار وحق التعايش

في 2015/08/20

عبدالمحسن هلال- عكاظ-  أكثر من عشر سنوات مضت على عقد المؤتمر الثاني للحوار الوطني بمكة المكرمة، الذي يعتبر أهم المؤتمرات التي ظل يعكف على إقامتها مركز الحوار الوطني منذ تأسيسه قبل ذلك بسنوات قلائل، ذلك أن مؤتمر مكة ضم رهطا من كبار علماء ومفكري ومثقفي المملكة، ممثلين لمعظم التيارات الفكرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار حينها، ودارت فيه نقاشات مستفيضة متعمقة خرجت بمجموعة توصيات لو أخذت بجدية يومها لأغنتنا عن كثير مما نعانيه اليوم. رحم الله دكتورنا القصيبي حين قال ــ إن صح عنه ما قال ــ إن سلسلة مؤتمرات الحوار الوطني ليست إلا تدريبا على الحوار، مضت الآن عشر سنوات ونحن لا نزال سنة أولى حوار وتدريب، فهل حقا لم ينجح أحد؟

مع توقنا إلى حوار عالمي للأديان ما زال حوارنا الداخلي شبه معطل، ليس فقط حوار المذاهب سنة وشيعة، ولا الحوار حول طبقة ومنطقة أو قبيلة وحسب، ولكن حتى الحوار داخل أهل السنة وداخل فرق الشيعة، بمعنى بين وداخل أهل المدرسة الفكرية الواحدة لم ننجح فيه. هل هو ضغط الأحداث حولنا حاليا يصرفنا عن تدبر أمرنا؟ قبل عشر سنوات لم نكن تحت أي ضغط، ومع ذلك لم نفعل، هل هو الخوف من الحوار لتقديم تنازلات، فإن كان، هل ستمس هذه التنازلات ثوابت الشريعة، هل تتعرض هذه الحوارات لما عرف من الدين بالضرورة، أم هو الخوف من التغيير وحسب، دعوانا التليدة «الله لا يغير علينا»، مع أن التغيير سنة الله ــ سبحانه ــ في الكون، أم الخوف على مكتسبات ومصالح شخصية يخشى عليها؟ فهل يقارن أي مكتسب بسلامة الوطن، أم تراه التعنصر للمذهب والمنطقة والقبيلة، والرفض للحكمة من أي وعاء جاءت؟

القضية برغم تعقدها، إلا أن حلها أبسط مما يتصور كثيرون، في وقت الأزمات الجميع يقدم تنازلات، لوازم التماسك لمقاومة خطر أكبر تتطلب تأخير الخوف من الخطر الأصغر، الحوار لا يعني حتمية تخليك عن رأيك وظنك، هو فقط فرصة للاطلاع على وجهة نظر غيرك، هو دعوة للقول بتعدد الرؤى وزوايا النظر للقضية، أية قضية، هو إيمان الجميع بحق الاختلاف وحق التعايش مع المختلف وحقه في العيش معك في وطن واحد وهوية واحدة تضمكما، ودعوا التفاصيل، فالشيطان يسكنها. فهل يعيد مركز الحوار التجربة؛ شريطة الالتزام وتبني ما سيخرج به المتحاورون، حوار يعي خطورة المرحلة وأهمية التلاحم لحماية جبهتنا الداخلية تعضيدا لجبهتنا الخارجية، ولا تنسوا، نحن في حالة حرب.