مجتمع » تعايش

تقرير شوري: ثقافة المواطن السعودي أبعد ما تكون عن ميول الإثارة والشغب المثير لسكينته ووحدة وطنه

في 2015/08/25

الرياض- "الوحدة الوطنية" ملف تستمر طياته بالتتابع مع امتداد تاريخنا الوطني الذي امتزج اسمه من لحظة تأسيسه باسم "التوحيد والوحدة"، ولذلك لا تسمح الحكمة والنظر في المآلات بأن نفتح على تكامل هذه النعمة تنظيماً يحمل في مضامينه التفاتة مقحمة على قناعة الوجدان الوطني بتماسكه ووقوفه صفاً واحداً أمام أي محاولة لاختراقه والنيل منه، ولا يمكن أن تختزل الوطنية في معايير معلبة، ولا مجرد شعارات وعبارات براقة، ولا مواد وخطب حماسية، بل هي أكبر من ذلك بكثير، وهو ما يستشعره المواطن في هذه البلاد بفضل الله.
بالأمس نشرت "الرياض" الجزء الأول من تقريرها الراصد لمسيرة مقترحات لحماية الوحدة الوطنية، قدمها عدد من أعضاء الشورى، وحسمها التصويت لصالح أن الأنظمة القائمة لم تفرق بين المواطنين، وليس هناك فراغ تشريعي يتطلب تشريعات جديدة. اللجنة تطلع على أنظمة الدولة
وفي الجزء الثاني، نقف على تفاصيل دراسة اللجنة الإسلامية والقضائية، التي أطلعت على النظام الأساسي للحكم ونظام الجرائم المعلوماتية والمطبوعات والنشر، كما تواصلت مع القطاعات المعنية، الداخلية، التعليم، الشؤون الاسلامية، العدل، الثقافة والإعلام، هيئة كبار العلماء، الرئاسة العامة لرعاية الشباب، الجامعات، مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، هيئة حقوق الإنسان، واستطلعت عن ما لدى تلك الجهات في شأن حماية الوحدة الوطنية، ووقفت على الجهود المبذولة في هذا المجال والمنجزات التي تحققت في سبيل حماية الوحدة، ووجدت أن العديد من الأعمال والمنجزات التي قامت بها تلك الجهات تصب في هذا الاتجاه.
وأشارت اللجنة إلى أن إجابات بعض القطاعات كانت ما بين داعم ومؤيد لوجود نظام للوحدة الوطنية، والحاجة الفعلية لسن أنظمة تجرّم كل من يسعى إلى تهديد وحدة الوطن، وضرورة وضع عقوبة صارمة لمن يخالف تلك الأنظمة، ومنهم من يرى أن مجموع الأنظمة المعمول بها حالياً، سواءً الأمنية أو التعليمية أو الثقافية أو العدلية، وغيرها من الأنظمة المشابهة، تؤدي دوراً جيداً وتحقق الغرض المقصود، ولا يرى وجود فراغ تشريعي يستحق إصدار نظام في هذا الخصوص.
وأطلعت اللجنة الإسلامية القضائية على العديد من الأنظمة السارية ذات العلاقة وتفحصت موادها، كما تواصلت مع "كرسي دراسات الوحدة الوطنية" بجامعة الجوف، والمركز الوطني للوحدة الوطنية بجامعة الإمام محمد بن سعود، وأشارت اللجنة إلى أن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يسعى حالياً لإقرار "الاستراتيجية الوطنية الموحدة لمواجهة الغلو والتطرف"، وهي منجز مهم في هذا الاتجاه وتصب في التوجه نفسه المراد في مقترحات أنظمة الوحدة الوطنية.
كما تواصلت اللجنة مع عدد من المهتمين في هذا المجال واستطلعت مرئياتهم تجاهه، وحصلت على العديد من الدراسات والأبحاث حول الوحدة الوطنية في هذا المجال، وبحثت اللجنة مقترح مشروع الاستراتيجية الوطنية لحماية الوحدة الوطنية، المقدم من رئيس المركز العربي للقانون عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان هادي علي اليامي.
ما ذكر في فكرة جدوى التأييد يمثل في تكييفه الصحيح إيجاد ضمانات نظامية لحماية الوحدة الوطنية ذات الأثر المباشر والفاعل على الحماية الأمنية والسياسية، كما يمثل من جانب آخر تدويناً للأحكام القضائية من خلال تقنين جزئي يرتكز على دستور الدولة -الكتاب والسنة- وأهم وثائقها الدستورية -النظام الأساسي للحكم- الذي ألقى بظلاله من خلال طليعة مواده على هذا الموضوع.
هذه الفكرة في شقها التقني الجزئي شائعة في العديد من الأنظمة المحلية والدولية، فضلاً عن استناد المشروع المقترح على دراسة طبيعة المجتمع وثقافته وما تتطلبه من مواد تتجانس معها، مع الإدراك الكامل بوجود فروق مجتمعية من دولة لأخرى في النطاق الإقليمي القريب، علاوة على ما هو أوسع من ذلك وأبعد.
المتحفظون على فكرة صدور النظام يرون أن في صدوره إقراراً بأهميته في حسم موضوع الوحدة الوطنية بمواد تشريعية، بعد أكثر من قرن على تأسيس الدولة التي جاهد مؤسسها -طيب الله ثراه- ومن بعده أبناؤه الملوك، لترسيخ الوحدة الوطنية على هدى الشريعة الإسلامية وآدابها وسلوكها المنعقدة في وجدان أبناء الوطن، ما سار بالبلاد على نهج سديد تحققت به مفاهيم هذه الوحدة كافة، غير مؤثر عليها بأي رياح طارئة لم يسلم منها زمن الرعيل الأول، وبالتالي فصدور هذا النظام في هذا الوقت سيعكس في قراءة الجميع استدراكاً، بل نعياً على المنظم في تأخير تشريع وطني بهذه الأهمية والإلحاح، وما في هذا من الإسقاط السلبي على قيام الجهات المعنية في الدولة بدروها في حفظ وحدة الوطن بحجم هذا الفراغ التشريعي الذي لا يضاهيه البتة أي فراغ آخر.
ويرى المعارضون لمقترح تشريع الوحدة الوطنية أن جميع ما يمكن سنَّه من مواد لمشروع النظام معالج في بعض أنظمة الدولة العدلية والاجتماعية والأمنية والإعلامية، وحسب الاستقراء والتتبع ليس هناك فراغ تشريعي، كما جرى التعامل مع جميع وقائع قضايا الوحدة الوطنية من خلال القضاء، إما بنصوص الشريعة الصريحة أو قواعدها العامة، أو الأنظمة السارية أو المبادئ القضائية التي تصدى لسَّنها القضاء واستقرت عليها أحكامه، ما يؤكد ألا فراغ في هذا المجال.
ويؤكد أصحاب الرأي المعارض لمقترح تشريع نظام لحماية الوحدة الوطنية أن التقارير السنوية للأداء الواردة لمجلس الشورى من الجهات الحكومية، وأيضاً متابعة وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تصب في نتيجة واحدة، تؤكد أنه لم تشتك أي جهة معينة من وجود فراغ تشريعي في هذا المجال.
لم تأت الأنظمة المقترحة بجديد يذكر، ويظهر تقرير إدارة المستشارين واللجنة المختصة أن معظم نصوصها جاءت من بعض مواد لأنظمة قائمة، كالنظام الأساسي للحكم الذي نص في مادته الثالثة على: "فيما عدا ما تقرره شرعاً والحقوق الخاصة بالمواطنين السعوديين التي تقررها الأنظمة، يحظر التمييز بين الناس في الحقوق والواجبات العامة بسبب العرق أو اللون أو النسب أو الجنس أو الدين، أو الأصل أو المكانة الاجتماعية أو الانتماء القبلي أو الطائفي أو المذهبي"، ونظام المملكة يحتكم إلى الإسلام وليس للمذهب كما هو الحال في بعض الدول المجاورة، وغطى في كثير من مواده ما جاء في المقترحات الثلاثة، إضافة إلى بقية الأنظمة الموجودة، المطبوعات والنشر، الجرائم المعلوماتية، وغيرها من الأنظمة العدلية والاجتماعية والأمنية.
في مناقشة مقترح المشروعات الثلاثة، حذر رئيس لجنة الاقتصاد صالح الحصيني -المؤيد للدراسة- من إخراج نظام ضعيف لحماية الوحدة الوطنية، وشدد على أن يكون في قوة النظام الأساس للحكم وإلا فلا يمكن "استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير" حسب قوله.
خالفت بعض نصوص الأنظمة المقترحة الشريعة الإسلامية وأنظمة الدولة المختلفة التي تعاملت بنصوصها مع المواطن وليس القبيلة أو العرق أو المنطقة أو المذهب، بل جاءت بعض تلك النصوص ضد تحفظ المملكة من الاتفاقيات الدولية ولم توقع عليها، كما نص بعضها على عدم التمييز في الحقوق والواجبات على أساس الجنس، وفي هذا تعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية ونظام الأحوال الشخصية بمعنى منح الجنسين نفس الحقوق في كل شيء، وذلك يلغي أحكام الإرث والزواج والعدة والنفقة وتعدد الزوجات وغيرها، وتطالب الأنظمة المقترحة بعدم التمييز على أساس الفكر، وقد يترتب عليه الاعتراف بالملحدين والعلمانيين وغيرهم ممن يتبنى فكراً مخالفاً للإسلام، ومنحهم الاعتراف يترتب عليه رفع العقوبات الشرعية عنهم.
ختاماً، وجب التنبيه على أن المملكة -بفضل الله- تعد أقل الدول تعرضاً للرياح المثيرة لصفو الوحدة الوطنية، بحكم قاعدتها الشرعية ووجدانها الوطني المتآلف والمدرك لخطورة تعكير الأجواء بما يحمله من وازع الشرع ومنطق الوعي، إضافة إلى أن ثقافة المواطن السعودي أبعد ما تكون عن ميول الإثارة والشغب في نطاقها المثير لسكينة المواطن ووحدة الوطن، ومع هذا كله فإن الحالات الفردية تعد استثنائية لا يقاس عليها ولا تتطلب استنفاراً تشريعياً لافتاً دونما مسوغ يمكن الوقوف عنده.
ويكاد يستقر المفهوم الحقوقي والتشريعي على أن إيجاد نظام باسم حماية الوحدة أو المحافظة عليها ينحصر في الدول الأكثر قلاقل ومشكلات إقليمية وعرقية وطائفية، على حين أن المملكة تعد في طليعة الدول الأبعد -بفضل الله- عن ضيق النعرات وانكفاء ولاءاتها وتحزباتها، وفي المسارعة بإصدار الأنظمة المقترحة لحماية الوحدة الوطنية زج باسم المملكة وأجوائها الأكثر نقاءً في قائمة تلك الدول، وما قد يفسر إصدار تشريع بهذا العنوان بأن ثمة حالة غير عادية تستدعي وجوده، إضافة إلى اختلاف الثقافات والرؤى والأنظمة في ذلك، وتبقى سلبية طرح وتداول هذه المقترحات مقلقة للمفهوم الوطني الايجابي عن وحدته، فضلاً عن خلفية العموم بأن ثمة كفاية في تشريعات الدولة في معالجة أي سلبية تجاه هذا المنعطف الخطر على الدوام.