اقتصاد » فساد

الإهمال بالمستشفيات السعودية.. مسلسل لا ينتهي رغم الميزانية الضخمة

في 2015/08/31

مي محروس- شؤون خليجية - يُعدّ ملف الصحة والمستشفيات في المملكة العربية السعودية من أكثر الملفات تعقيدًا وتشابكًا، إذ تعاقب 5 وزراء صحة في غضون عامين فقط، وذلك للمرة الأولى في تاريخ المملكة، ورغم تجاوز ميزانية الوزارة 217 مليار ريال في العام، إلا أن الأزمات متتالية ومعقدة في القطاع الصحي ولا تزال تبحث عن حلول دون فائدة، كالأخطاء الطبية المتكررة وفيروس كورونا، وسوء الخدمات، ومافيا الأدوية، وتعثّر المشاريع الصحية التي أطاحت بالوزير الخطيب من منصبه.

وأوصت دراسة حديثة أعدّها معهد الإدارة العامة في الرياض، بالاهتمام بجودة البنية التحتية لمستشفيات وزارة الصحة من مبانٍ وأجهزة وصيانة واهتمام بشكاوى المرضى، ومتابعة الجهاز الطبي والتمريضي والفني والإداري، وتشجيع المرضى على التقدم بمقترحاتهم لتطوير الخدمة بما يحقق رضاهم ويساهم في البحث عن فرص التحسين.

فأر في مستشفى عسير المركزي

واستمرارًا لمسلسل الإهمال في المستشفيات الحكومية السعودية.. تداول نشطاء، اليوم الثلاثاء، مقطع فيديو يظهر مطاردة موظفي مستشفى عسير المركزي، في السعودية، لفأر داخل قسم الطوارئ في المستشفى.

وأظهر الفيديو المتداول على موقع "يوتيوب" قيام أفراد بالمستشفى بركل الفأر بأقدامهم مرات عديدة خلال محاولات هروبه، حتى تمكنوا منه، وظهر في خلفية الفيديو صوت المصور وهو يقول: "خلونا نصور حتى نرسله إلى وزارة الصحة، فئران في مستشفى عسير".

وعبر عدد من المعلقين على الفيديو عن استيائهم من الإهمال والتقصير في المستشفى، في حين عاتب آخرون تعامل الموظفين مع الفأر بطريقة مسيئة وتقاذفه فيما بينهم كنوع من التسلية، فيما دافع البعض عن المستشفى .

قالت صاحبة حساب "الورد الجوري": "حسبي الله عليكم.. وش جاب الفار للمستشفى غير الإهمال (الطوال) القطط و(عسير) فئران.. توم وجيري ."

وأضاف عمر الرويشد: "أنا لو بيدي أفصل الفلبينيات والسكرتي (....)، ماسكه بيده بعد أي نضافه عندهم هذول."

وغضبت ناني عسيري، بشدة قائلة: "حسبي الله عليهم.. مستشفى  فاااااشل ."

فيما علق البعض بسخرية لإصرار الفأر على عدم الخروج ..وقال برو: "مُصر انو يدخل.. شكلو أهلو في داخل يتعالجو ههههههههههههههه ."

وسخر متعب عسيري قائلًا: "ما ضحكني إلا الفلبينيات ما يعرفون يشوتون والفار حالف ما يطلع ."

فيما اختلف عسيري مع منتقدي المستشفى، قائلًا: "مستشفى يعالج كثيرًا من المرضى وفيه أطباء على مستوى المملكة، وأنا واحد من اللي أدعي لهم على علاجي، ولكن فيه ناس جاحدين نعمة، أسأل الله أن يهديهم.. ولئن شكرتم لأزيدنكم ."

ووافقه سعود القحطاني، قائلًا: "تدورون على الكمال والكامل وجه الله.. أنا لا أعيب في المستشفى ولا أمدح فيه، لكن مثل ما فيه سلبيات أكيد فيه إيجابيات، وأقل شيء أنك تتعالج ببلاش.. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ."

سلسلة إهمال لا تنتهي

في الإطار ذاته طالعتنا، اليوم الثلاثاء، الصحف المحلية السعودية بقصة الطفل الذي تم استبداله في مستشفى خميس مشيط للولادة بمولود آخر– وهي ليست الواقعة الأولى من نوعها.

وقال والد الطفل، الذي تم استبداله "ميت"، ظافر الشهراني، إن قضية العثور على ابنه لا تزال مبهمة حتى اليوم، ولم يكشف أي شيء من تفاصيلها.

وقال الشهراني: "ما زال الأمل يحدوني بأن أعرف مصير ابني سواء حيًا أو ميتًا، لكن الأهم أن أعلم أين هو الآن"، مشيرًا إلى أن هذه الواقعة سببت له كثيرًا من المعاناة ولوالدة الطفل أيضًا، ورافضًا في الوقت نفسه صحة ادعاءات صحة عسير بأنه تأخر في استلام جثمان المولود لأشهر، معتبرًا أن رفضه استلام الجثة كان بسبب رفعه قضية ضد تأخر أطباء الولادة في إجراء عملية الولادة لزوجته، وأن تأخيرهم هو السبب في تردي حالة الطفل بعد الولادة.

وأضاف: بعد تقدمي بشكوى لوزير الصحة آنذاك ضد الطاقم الطبي، اتصلوا بي وأخبروني أن ابني توفي، وأبلغتهم أن هناك شكوى مقدمة ضدهم وعليهم إبقاء الجثمان في ثلاجة الموتى حتى يتم شخوص لجنة طبية على اتهامي لهم بالتقصير في أداء مهمتهم، لكني فوجئت بأن المولود توفي في المستشفى الجديد الذي لا توجد فيه ثلاجة موتى من الأساس، وتم نقله إلى المستشفى القديم الذي يبعد ما يقارب 7 كلم ووضعوا جثمانه هناك، بحسب ادعائهم، وعندما ذهبت إلى الثلاجة وجدت عبارة "مجهول" على الخزانة التي تحوي الجثمان، وأنه توفي في الـ9 من شهر رمضان قبل الماضي، وهو ما أثار الشكوك لدي بأنه ليس ابني، إذ إنهم اتصلوا بي سابقًا وذكروا لي أن المولود توفي يوم الثاني من رمضان، أي قبل أسبوع من زيارتي للثلاجة، كذلك لم أجد أي بيانات على خزانة الطفل المجهول كبيانات الأم وخلاف ذلك.

وكانت صحف محلية قد كشفت عن قضية اختفاء المولود بعد ولادته، وأن منسوبي المستشفى حاولوا إقناع الأب باستلام الجثمان، إلا أنه رفض ذلك، طالبًا إجراء تحليل للجينات الوراثية، لتظهر النتيجة المفاجئة لاحقًا بأن الطفل المجهول لا ينتسب لوالديه.

وكان حادثة العثور على جثة فتاة في الثانية عشرة من عمرها، متعفنة في إحدى غرف الطوارئ بمستشفى الملك فيصل في مكة المكرمة، قبل أسبوعين، بعد أن تم نسيانها متوفية لمدة خمسة أيام، قد أثار جدلاً واسعاً في عموم المملكة العربية السعودية، واعتبر ناشطون أن الحادثة تدل على مدى "الإهمال" الذي يعاني منه المرضى في المستشفيات الحكومية .

وقررت وزارة الصحة إعفاء المدير، إضافة إلى مدير الخدمات الطبية ومدير الخدمات المساندة ومدير قسم الطوارئ في المستشفى، من مناصبهم .بعد أن أعفت مدير مستشفى الملك فهد في جدة الشهر الماضي، على خلفية انتشار مقطع فيديو يظهر وجود حشرات في غرفة مريض في النقاهة، حيث أعفي أيضًا جميع المسؤولين المعنيين بالحادثة.

المستشفى بيت الداء

وجراء تزايد معدلات الأخطاء الطبية التي أودت بحياة الكثيرين. بات الجميع يخشى اللجوء إلى بعض المستشفيات، معتبرًا أنها باتت "بيت الداء"، في ظل مطالبة مستمرة بتشديد الرقابة والعقوبات على المستشفيات والأطباء الذين لا يراعون أخلاقيات مهنتهم. وقصص ضحايا الأخطاء الطبية باتت الوجبات الدسمة للصحافة السعودية، ومنها: مريض بات مشلولاً بسبب خطأ اقترفه أحد الأطباء، وآخر فقد حياته بعد دخوله المستشفى بسبب كسر بسيط في الساق، ومريض دخل في غيبوبة بسبب زيادة في جرعة المخدر، وغيرها من القصص التي أرعبت المجتمع حتى تحوّلت زيارة الطبيب رحلةً إلى المجهول.. هذا إلى جانب استنزاف المستشفيات الخاصة للتأمين الطبي  .

وقال الدكتور "مجدي الصباغ" الذي يدير إحدى العيادات الخاصة في مدينة جدة: إن عدم محاسبة الطبيب على الأخطاء الطبية يزيد نسبة الإهمال واحتمال وقوع خطأ بنسبة 50 %، مشيراً إلى أن مستشفيات القطاع الخاص باتت تحاسب الأطباء على عدم تحقيق الربح المطلوب من قيمة علاج المريض، أكثر من أدائه المهني.

وأرجع الطبيب السوداني "مصطفى بشير"، الذي يعمل في أحد المستشفيات الخاصة بالمملكة، أنّ سبب ارتفاع ضحايا الأخطاء الطبية في السعودية عدم وجود آليات رقابة وتقييم مستمر لعمل الأطباء، إضافة إلى النهم الذي استشرى داخل أروقة الإدارات لحصد الأرباح بواسطة التأمين الطبي الذي توفره الشركات لموظفيها، لاسيما الأجانب، فبات العديد من الأطباء في المستشفيات الخاصة ملزمين بتضخيم حالة المريض لرفع تكاليف العلاج.

ميزانية ضخمة وأخطاء متكررة

ورغم تجاوز ميزانية وزارة الصحة السعودية 217 مليار ريال في العام، تقع مئات الأخطاء الطبية، وتخطف أرواح أكثر من 70 مريضًا كل عام، وتصيب أضعاف ذلك الرقم بمشاكل مختلفة، بحسب تقرير رسمي أصدرته وزارة الصحة.

وارتكب 1759 طبيبًا و1945 ممارس رعاية صحية أخطاء طبية في العام الماضي فقط، وهناك أكثر من 2400 قضية قدمت إلى اللجنة الطبية المختصة، واعتلت قائمة الأخطاء الطبية التي تحدث أثناء الولادة قمة القائمة بنسبة تقدر بـ70 في المائة، وأوضح التقرير أن أعلى نسبة حالات أخطاء طبية هي للأطباء المصريين بنسبة 44 في المائة، يليهم السعوديون بنسبة 15 في المائة، والسوريون 9 في المائة ،والهنود 6 في المائة.

وبلغت الأخطاء الطبية التي هددت حياة المرضى في العام الماضي نحو 315 خطأ طبياً، وتم دفع أكثر من 12 مليون ريال كتعويضات عليها بمتوسط 38 ألفًا عن الخطأ الواحد، كما أن هناك أكثر من 214 قضية لا تزال مرفوعة ضد أطباء ومستشفيات– بحسب الائتلاف العالمي للحريات والحقوق.