مجتمع » حريات وحقوق الانسان

الاختلاف المزعج

في 2015/09/05

رملة عبد الحميد- الوسط- قيل إن الماركسيين في روسيا انتظروا سبعين عاماً حتى يجلسوا على مائدة الطعام، وعندما جلسوا لم يجدوا شيئاً يأكلونه، فهل ننتظر طويلاً للجلوس على طاولة الحوار عندها لا نجد شيئاً نتفق عليه بعد أن أدمى بعضنا بعضاً؟ الأفق فسيح ومتشعب يتسع لتعدد الناس طيفاً وفكراً، والأزمات ذات وجوه لا تحصر في نفق واحد وليس لها نهاية واحدة، الجميع هنا في مركب واحد ومن المجحف حقاً أن ينبري البعض بالمسارعة إلى الفصل والاستعجال إلى نهاية الآخر، النهاية التي يراها هو دون سواه، النهاية التي تفضي إلى تضييق الخناق وتأزيم الأوضاع. نحن في أمس الحاجة في هذا الوقت إلى تقبل المختلفين معنا في الشأن الوطني بدلاً من تضييق الفسيح أملاً في وهم أن يكون نهاية الآخر.

يعرف الاختلاف على أنه التباين، وهي فطرة بشرية وقاعدة كونية من مشيئة الله تعالى، فكل ما حولنا من كائنات حية أو جامدة هي مختلفة في التكوين والمظهر والدور، وفي الوقت ذاته متكاملة ضمن نسيج خلقي رائع، فالبشر خلقوا مختلفين في الطباع والأهواء، فالاختلاف ناتج عن تفاوت في فهم الناس وتباين مداركهم، وهو شعور تحدٍ للإنسان منذ ولادته يدفعه ليكون متميزاً ومتفرداً في عالم متنوع، عالم لا يشار إلا لمن يحقق وينجز عملاً مبدعاً، وينجح فيما عجز عنه الآخرون. لذا لم يخلق الإنسان ليكون صورةً مطابقة لمن سبقه، وبحكم التجربة لن يكرّّر ما فعله الآخرون. الاختلاف هو نتيجة لقناعات شخصية للفرد المكوّن للجماعات التي ترى بأنها مختلفة عن الآخرين بحكم عقائدها وتأثرها بمحيطها وتراثها الإنساني.

الاختلاف في حقيقته تنوع وليس تضاداً، يراد به للمجتمعات أن تصل إلى حالة من الارتقاء بقبول التنوع بالتراضي، التراضي النابع من النفس وليس القبول بالأمر الواقع كرهاً، إنما يكون بالفهم والإنصاف بحفظ دور وحق المختلف معنا حتى ولو جاء بما لا نهواه. فالتعصب مدعاة للشقاق المفضي للتنافس بين الأطراف؛ التنافس الذي يستشري ليتحوّل إلى انتقام وغضب، لينهي المطاف إلى حرب، والتي لا تصل إلا من ينتصر ومن يكتوي بنار الألم في وطن واحد.

في مجتمعنا الصغير جداً، نجد الاختلاف تحوّل إلى تضاد، بل انطلاقاً نحو النيل من الآخر وإلغائه، فهل الاختلاف يسلبنا فضيلة الإنصاف والأخلاق النبيلة؟ وهل أصبح تدافع المصالح هو العنوان السائد والعملة الرائجة؟ ومن قال إن تباين الآراء والاتجاهات يعطينا الحق في إخراج الغير من الوطنية والملة والدين؟ ومتى كانت المواطنة مواقف مفصّلة؟

وهل لأحدٍ الحقّ بأن يقرّر أو يكتب نهاية الآخر؟ فكلنا أهل هذه الأرض، البحرين، وطن الآباء والأجداد، الذي يعني وجودنا وحريتنا وكرامتنا ومحور انطلاقنا في الحياة. نختلف نعم، ونعيش كطوائف متعايشة متسامحة كاسمها بحرين المثنى التي احتضنتنا وستبقى بالجميع.