مجتمع » حريات وحقوق الانسان

لماذا يردد البعض أفكاراً عنصرية؟

في 2015/09/09

د. منار الشوربجي- البيان-

الأسبوع الماضي كانت الذكرى الأولى لأحداث فيرجيسون التى هزت الضمير العالمي. فبعد مقتل الشاب الأسود الأعزل مايكل براون برصاصات الشرطة، والتى لم تكن الواقعة الأولى لسقوط شباب من السود الأميركيين، انطلقت الاحتجاجات بالمدينة وانتقلت لمدن أخرى.

وكان العالم يتابع ما يجري لحظة بلحظة حيث مثلت المشاهد التي تنقلها الشاشات صدمة للكثيرين.

فقد بدت مدينة فيرجيسون بولاية ميزوري وكأنها مسرحا لعمليات حربية. فالدمار في كل مكان والشرطة المدنية ترتدي ملابس الحرب.

بدا الموقف كله وكأنه مسرح حربي لدولة احتلال في إحدى دول العالم الثالث! ومنذ ذلك التاريخ، لم تنته سلسلة موت الشباب السود بالذات، على يد الشرطة الأميركية، وتشكلت أيضا حركة سوداء جديدة أطلقت على نفسها اسم "حياة السود مهمة".

وفي يونيو من العام الحالي، دخل شاب أبيض له تاريخ عنصري، إحدى كنائس السود ومكث فيها فترة قبل أن يخرج سلاحه ويقتل تسعة أشخاص بينهم راعي الكنيسة.

ثم تلاحقت الأحداث، فشاهدنا بالفيديو الفتاة السوداء ذات الخمسة عشر عاما بملابس السباحة ورجل الشرطة يلوي عنقها بقوة، ثم الشابة السوداء التي ماتت في محبسها بعد توقيف في مخالفة مرورية عادية.

وفي الذكرى السنوية الأولى لأحداث فيرجيسون، اشتعل الموقف من جديد وجرى عنف في المدينة نسبته بعض وسائل إعلام أميركية وعالمية للمتظاهرين بينما تشير التحقيقات الأولية إلى أن العنف كان من خارج صفوف المتظاهرين السود وكان من الممكن أن يصيبهم مثلما أصاب رجال الأمن.

كل تلك الصور والمشاهد ذكرتني بواقعة تهمنا كثيرا نحن العرب.

ففي العام الدراسي الماضي، طلبت من طلاب مادة النظام السياسي الأميركي أن يكتبوا أبحاثهم عن محنة سود أميركا. كانت أحداث فيرجيسون لا تزال حية في الأذهان، شاهدها أغلب الطلاب بالصوت والصورة قبل بدء العام الدراسي بأيام.

وقدمت لطلابي وقتئذ مجموعة من عناوين للقضايا الرئيسية من أميركا السوداء الراهنة ولكن في صورة أسئلة يمكنهم الاختيار منها كرؤوس موضوعات لأبحاثهم، من الفصل العنصري فى السكن والتعليم الذي لا يزال حياً بحكم الواقع، مرورا بالتراجع عن بعض مكتسبات حركة الحقوق المدنية مثل الحق فى التصويت، ووصولا لأعداد السود رهن السجن، وموت الكثير من العزل منهم برصاص الشرطة وهي كلها أمور وثقتها الأبحاث الأكاديمية. وبعد أسابيع، حضرت لمكتبي طالبة نابهة لتناقش فصلا في الكتاب المقرر.

وقبل أن تنصرف، بدت مترددة تود أن تقول شيئا فشجعتها فقالت أن أحد أقربائها الذي يعيش منذ زمن بعيد فى الولايات المتحدة جاء في زيارة قصيرة وحين علم أن بحثها يدور حول "محنة سود أميركا"، قال لها أن لا محنة ولا يحزنون. ثم استرسل، على ما يبدو، في محاضرة طويلة اعتبر فيها السود "مسؤولين"، عما يحدث لهم وكررت الطالبة على مسامعي ما ردده من أقبح الصور النمطية السلبية التي يستخدمها أكثر البيض تطرفا في أميركا عند الحديث عن السود، سردتها الفتاة الواحدة بعد الأخرى.

ثم أبدت حيرتها بين قراءاتها عن فيرجيسون وبين ما قاله الرجل، وسألتني "أين الحقيقة؟".

أخذت نفسا عميقا لعله يمتص غضبي إزاء سماع تلك الوصلة القبيحة من الصور النمطية التي سردتها الفتاة المسكينة على لسان قريبها، ثم أجبتها بأن عليها أن تبحث بنفسها عن "الحقيقة" من خلال البحث العلمي. ولكنني أضفت أننا لا نستخدم في العمل الأكاديمي التعميمات. فلا يجوز أن نطلق حكما على مجموعة كبيرة من البشر وكأنهم جميعا لهم الصفة نفسها. وشرحت لها معنى الصورة النمطية وكيف تتم صناعتها وذكرتها بمعنى العنصرية.

وأضفت إن البحث العلمي لا يقبل أيضا تبسيط الظواهر المعقدة، وأن عليها أن تسبر غور موضوعها البحثي من زوايا عدة وتتابع الجدل الدائر بشأنه، ثم تعرض الوقائع بأقصى دقة والأفكار المختلفة منسوبة لأصحابها.

ولفتت نظر الفتاة إلى الفارق الكبير بين العمل الأكاديمي والرأي الخاص. وقلت لها إن من حقها أن يكون لها رأيها الخاص طبعا وأن واجبها التفرقة بينه وبين الكتابة الأكاديمية. وبالفعل قامت الفتاة ببحثها وكانت من أكثر الطلاب نشاطا في تحرى الدقة وكأنها كانت تبحث عن حجج قوية تقولها لقريبها حين يأتي في زيارة جديدة وانتهت لكتابة بحث جاد ودقيق.

وقصة الفتاة عن ذلك القريب الذي يعيش في الولايات المتحدة منذ زمن بعيد ليست حالة فريدة.

صحيح أن النسبة الغالبة من العرب والمسلمين الذين يعيشون في أميركا يفهمون الواقع هناك بعمق ودقة، إلا أن تلك لم تكن المرة الأولى التي أسمع فيها مقولات من ذلك النوع من عرب مقيمين في أميركا.

وهي مسألة تستحق التأمل فعلا. فما الذي يجعلنا، ونحن من أكثر شعوب العالم تعرضا للصور النمطية السلبية نتبنى مثل تلك المقولات القبيحة والصور النمطية السلبية تجاه غيرنا؟ ألسنا الأولى برفض تلك المقولات؟