اقتصاد » مياه وطاقة

ما الجديد في أن تتراجع أسعار النفط؟!

في 2015/09/10

د. إحسان بوحليقة- اليوم-

منذ بداية الخمسينيات الميلادية والنفط هو مصدر الدخل الأول لخزانتنا العامة، أي لما يزيد عن ستين عاماً. شهدنا خلالها كل "بهلوانيات" سوق النفط وشقلباتها، كابدنا من تأرجحها، أحيانا تأخذك إلى العنان، وأخرى يُعرض النفط بأبخس الأثمان فلا يباع. ولطالما أركب ذلك اقتصادنا مراكب صعبة، و"قطنا على صَخَر"، كما يقول المثل الخليجي؛ ففي السبعينيات عاش الاقتصاد السعودي طفرة غير مسبوقة ولم تتكرر حتى الآن، لفترة قارب النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي 15 بالمائة، ثم ما لبث أن انتقل للنقيض فكان عقد الثمانينيات فترة انكماش اقتصادي! إذاً، لا جديد فيما يحدث الآن من تراجع لأسعار النفط، وبالتالي تقلص لإيرادات الخزانة منه. قد تكون المفاجأة أن مقدار التراجع واستدامته كانا أكبر وأطول مما توقعه الكثيرون. فيما يتصل باقتصادنا السعودي فقد مَرّ في الثمانينيات بتجربة -أزعم- أنها كانت أكثر صعوبة مما نمر به الآن، عندما تزامن انخفاض السعر مع تضاؤل الكميات، فهوى إيراد النفط بحِدة؛ فقد انخفض السعر لنحو 7 دولارات للبرميل، وتراجع الإنتاج من أكثر من عشرة ملايين برميل لما دون أربعة ملايين!

ولعل الحل، والذي طرح كثيراً لكنه لم يُنفذ، هو تنويع مصادر الخزانة العامة لتتخلص من سطوة النفط التي تجاوزت 90 بالمائة، وهذا أمر لن يتحقق إن لم يتنوع الاقتصاد السعودي وتتعدد مصادر القيمة المضافة فيه، بما يولد إيرادات للخزانة العامة. ورغم أنك لن تجد من يجادل في أهمية إخراج إيرادات الخزانة العامة من تحت عباءة النفط، لكن لم نفعل ما يكفي لتحقيق ذلك، رغم النفاش الدائم، وعلى الرغم من الوعي الرسمي لذلك ومنذ عقود؛ فقد وضعت الخطة الخمسية الأولى للتنمية هدفاً أساساً لها وهو تنويع مصادر الاقتصاد! كان ذلك في العام 1970، أي قبل خمسة وأربعين عاماً. وهكذا، فالحديث عن التنويع الاقتصادي ومبرراته وأهميته بل وحتى حتميته، حديث متقادم من حيث الفكرة، ومتجدد من حيث التنفيذ، باعتبار أنه لم ينفذ ليحرز النتائج المتوخاة، ولذلك "نعيد ونكرّر" كمجتمع، الحديث عن التنويع. وهكذا، يمكن القول اننا متفقون على أن إيرادات النفط لا أمان لها، وأن السبيل هو تنويع الاقتصاد، واننا لم ننوعه بالقدر الكافي. لكننا، فيما يبدو، لا نملك الإرادة الكافية لتحقيق ذلك؛ فالملاحظ أننا نتحدث عن التنويع بحماس عندما تتراجع إيرادات النفط، ثم يخبو الحماس عندما ترتفع أسعاره.

ولعل من الملائم التذكير أن المملكة خاضت حروباً ضارية لتحقيق استقرار في أسواق النفط طوال عقود، ولعل أشهرها على الاطلاق انتفاضتها على أعضاء أوبك غير الملتزمين بالحصص في منتصف الثمانينيات، بعد أن ضحت بعدة ملايين من انتاجها يومياً في سبيل ضبط السعر، في حين كان العديد من الأعضاء لا يلتزمون، فقررت المملكة أن تتخلى عن صبرها ذاك وأن تواجههم بزيادة انتاجها. ورغم ذلك الجهد الكبير لإدارة سياسة تصدير وإنتاج النفط، غير أننا عايشنا ومازلنا نعايش غياب سياسة لتنمية الصادرات السعودية غير النفطية، رغم ما لها من أهمية لتحقيق التنوع الاقتصادي المنشود.

التنويع الاقتصادي ليس حُباً عذرياً ولا شعاراً ثورجياً، بل ينطوي على هدف محدد، وهو تحقيق الاستقرار الاقتصادي من جهة وحفز النمو بما يمنع الركود والانكماش وبالتالي يكافح الفقر والعوز والتخلف الاقتصادي. وذلك يتصل بنمو الناتج المحلي الإجمالي، الذي تشكل الصادرات أحد مكوناته الرئيسة. في اقتصادنا، الصادرات النفطية تصبع بقية المكونات بلونها الغامق. ما أقوله هنا انه من الضرورة إبراز الصادرات غير النفطية كمكون مهم لنمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. هناك من سيتحدث عن الجهود المبذولة، وأقول إنها جهود قيمة، لكنها غير كافية لتحقيق تطلعاتنا. فقد كانت الخطوة الكبيرة لتنمية الصادرات غير النفطية، بتأسيس الحكومة لشركة سابك، ومن خلالها نمت الصادرات السلعية باطراد. كانت تلك الخطوة مؤثرة توقيتاً وحجماً، السؤال: ما المبادرات التي تبعتها لتنويع اقتصادنا عبر تنويع الصادرات غير النفطية؟ كما سبق أن ذكرت هناك الكثير من الأحاديث التي لم تنقطع حول أهمية تنمية الصادرات، لكن اقتصاداً بحجم الاقتصاد السعودي بحاجة لمبادرة عملاقة ومؤثرة تحدث فارقا حقيقيا في اقتصادنا الوطني، فتنقله لسياق أعلى في مسيرة التنويع والاستقرار، تماماً كما فعلت مبادرة تأسيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع وإطلاق "سابك". هذا ضروري لكسر الحلقة المغلقة وثنائية الهروب من النفط وإليه.