مجتمع » شؤون المرأة

المرأة الإماراتية .. ومجالس الإدارات

في 2015/09/15

د. لمياء فواز- الخليج-

جاء تأسيس مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين بتوجيه من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي تترأسه سمو الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم، خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح لدعم مساعي دولة الإمارات لتكون ضمن دول العالم الأكثر ابتكاراً وازدهاراً.

لقد استطاعت دولة الإمارات تحقيق إنجازات هائلة في مسيرة التقدم لترسخ مكانتها كدولة عصرية ذات تطلعات طموحة، فباتت تمتلك اليوم كافة المقومات اللازمة للانتقال للمرحلة التالية من مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولا شك أن مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين إلى جانب غيره من المؤسسات سيساعد دولة الإمارات في جهودها الرامية إلى تحقيق رؤية الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، في تمكين المرأة وتعزيز مشاركتها.

وللمغفور له بإذن الله الشيخ زايد كلمات مضيئة وملهمة في هذا السياق، فيقول: «لا شيء يمكن أن يسعدني أكثر من رؤية المرأة وهي تحتل موقعها المتميز في المجتمع، يجب ألا يعوق أي شيء تقدمها، إن النساء كالرجال لهن الحق في احتلال المراكز العليا وفقاً لقدراتهن ومؤهلاتهن»

ولتحقيق ذلك ومساندة المرأة الإماراتية في انتقالها للمرحلة التالية من مشاركتها المميزة في المجتمع، تحتاج دولة الإمارات إلى تحقيق تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في مجالس إدارات الشركات من خلال نظام محاصصة ملزم يضمن توسيع مشاركة المرأة، وآمل أن يقوم المجلس بتقديم اقتراحات في هذا الشأن في الأمد القريب؛ إذ تمثل المرأة أكثر من نصف التعداد السكاني لدولة الإمارات، وإنه لمن المنصف أن تحظى بمساحة مشاركة فاعلة مع الرجل على مستوى إدارة الاقتصاد والمجتمع من خلال إقرار نظام يحدد نسب كلا الجنسين ضمن مجالس إدارات الشركات.

وتبلغ نسبة الإناث حالياً نحو 60 بالمئة من مجموع خريجي الجامعات المواطنين في الإمارات، و62 بالمئة من خريجي الجامعات الحكومية، و43 بالمئة من خريجي الجامعات والمعاهد الخاصة في الدولة. كما تستحوذ المرأة الإماراتية على 43 بالمئة من إجمالي القوى العاملة المواطنة في الإمارات، لترتفع هذه النسبة إلى 66 بالمئة ضمن القطاع الحكومي. لكن هذه النسب العالية تغيب عندما يتعلق الأمر بالمناصب العليا وعضوية مجالس إدارات الشركات.

وفي عام 2013، أظهر استقصاء أجراه الموقع الإلكتروني (MyHiringClub.com) المتخصص بالتوظيف المهني أن 1.08 بالمئة فقط من شركات الإمارات المشاركة في الاستقصاء تضم سيدات ضمن مجالس إداراتها، لتأتي الإمارات في المرتبة 42 ضمن قائمة تصنف الدول حسب نسبة مشاركة السيدات في مجالس الإدارات. وجاءت هذه النتيجة بعد عام من إلزام الحكومة الإماراتية جميع المؤسسات في الدولة بتمثيل العنصر النسائي في مجالس الإدارات. ولم تشهد هذه النسبة منذ ذلك الحين سوى ارتفاع طفيف، حيث أشار تقرير صادر عن شركة ارنست آند يونغ في عام 2014 إلى أن نسبة شغل السيدات للمناصب العليا في الإمارات بلغت نحو 1.2 بالمئة.

غير أن هذا الوضع لا يقتصر علينا في الإمارات وحسب، إذ تشكل مسألة دعم المرأة وتبوؤها أعلى المناصب الإدارية تحدياً عالمياً. فقد توصلت إحدى الدراسات إلى أن نسبة المرأة في عام 2014 ضمن المناصب العليا للشركات هي 24 بالمئة على مستوى العالم، وهذه النسبة لم تتغير على مدى سبعة أعوام سبقت هذه الدراسة.

ويعود نشوء هذا التحدي العالمي إلى أسباب معقدة ومختلفة تتبع اعتبارات اجتماعية وثقافية ومستوى التطور لكل دولة أو منطقة. وقد لا يوجد حل بسيط أو سريع كفيل بمعالجة مختلف العوائق الثقافية والنفسية والاجتماعية التي تعيق وصول المرأة إلى مناصب عليا ضمن الشركات والمؤسسات، لكن كانت هناك بعض الاستراتيجيات التي نجحت في تحقيق تقدم في هذا المضمار.

وفي هذا السياق، شكل إلزام الشركات بضم نسبة محددة من الإناث ضمن مجالس إداراتها إحدى السبل التي أثبتت فعالية في دعم مشاركة المرأة. ففي عام 2003، قامت النرويج بخطوة سباقة على صعيد الابتكار الاجتماعي، حيث أطلقت أول نظام محاصصة بين الجنسين في القارة الأوروبية. وقد منح القرار الجديد الشركات المدرجة في السوق خمسة أعوام لرفع نسبة مشاركة المرأة ضمن مجالس الإدارات إلى 40 بالمئة، وإلا ستتعرض لعقوبات، وفي حالات قصوى إلى تصفية قسرية للشركة. وقد قادت هذه الخطوة إلى زيادة مشاركة المرأة بمقدار كبير وصل إلى 33 بالمئة، لترفعها من 7 بالمئة إلى نسبة 40 بالمئة المطلوبة.

لقد عملت هذه الدول الأوروبية على دعم تحقيق التوازن بين الجنسين ضمن مجالس إدارات الشركات، الأمر الذي انعكس ايجاباً على رفع مستوى أدائها. فقد أظهر تقرير صادر عن (تومسون رويترز) أن مجالس الإدارات التي تضم أعضاء من كلا الجنسين تتفوق في أدائها على تلك التي تقتصر على الرجال. كما أظهر التقرير أن مثل هذه الشركات تكون أكثر ربحية وأقل تعرضاً للمخاطر، وتهتم بالتطور المهني لدى السيدات على نحو أكبر.

وغالباً ما تثير الاقتراحات المتعلقة بتحديد حصص بين الجنسين مخاوف لدى الكثيرين تتعلق بمدى تأثيرها في الجودة والتميز، إذ يعتبر المنتقدون لنظام المحاصصة أنه سيسقط مقياس الكفاءة لصالح ترقية مرشحات قد لا يتمتعن بالكفاءة تحقيقاً للنسبة التي حددها نظام المحاصصة. لكن إذا عرف هؤلاء المنتقدون أن الإناث يشكلن أكثر من 50 بالمئة من خريجي الجامعات، وأن 1.2 بالمئة منهن فقط يتولين مناصب عليا في الشركات، عندها سيدركون أهمية تطبيق هذا الاقتراح للاستفادة بالشكل الأمثل من كافة الطاقات الإماراتية. هذه صورة عن الوضع في الإمارات اليوم، حيث تمثل المرأة الإماراتية نحو 60 بالمئة من مجموع الخريجين الإماراتيين، و43 بالمئة من القوى العاملة المواطنة في السوق المحلي. وهذا يؤشر إلى أن المرأة الإماراتية تمتلك العلم والخبرة والتصميم على التطور، وأنها مؤهلة لاعتلاء أعلى المناصب عندما تتاح لها الفرصة.

إن تحديد نظام محاصصة يمنح المرأة نسبة ضمن مجالس إدارات الشركات في الإمارات نسبة وتتناسب وقيمتها في المجتمع وتعكس تقدير انجازاتها في مختلف الميادين وتحقق لها شراكة فعلية في صنع القرار ،سيكون قراراً جريئاً، لكنه ليس غريباً على القيادة الإماراتية التي دأبت على إطلاق وتطبيق استراتيجيات وسياسات طموحة ومستندة إلى رؤية ثاقبة وحكيمة هدفها تحقيق كل ما فيه الخير للوطن وشعبه. ومن شأن هذه الخطوة أن تساعد دولة الإمارات على تحقيق أهدافها على صعيد تمكين المرأة وتحقيق رؤيتها المتمثلة في بناء اقتصاد معرفي متطور ومزدهر، كما ستسهم في تحفيز الجيل الجديد من الفتيات لتعزيز دورهن المهني والالتحاق بوظائف مهمة يدعمن من خلالها المسيرة التنموية لدولة الإمارات العربية المتحدة.