دول » البحرين

مثل الأذان في مالطا

في 2015/09/17

حسن العيسي- الجريدة-

إذا بحثت في "غوغل" عن حجم صفقات السلاح لدول الخليج مع الدول الغربية والولايات المتحدة، وأحياناً روسيا، فستتخيل أن دولنا تغرف أموال الصفقات من محيط عميق لا قرار له، وأن تدهور سعر برميل النفط وتراكم العجوزات المالية والتسييل المستمر لأصول استثمارية كلها مجرد أوهام وأكاذيب لا ظل لها في الحقيقة، وإلا فكيف يمكن تفسير تلك الصفقات الفلكية وتبريرها أمام واقع اقتصادي قلق اليوم؟!

بالكويت في يونيو الماضي تم إعلان صفقة شراء الحكومة 24 طائرة عسكرية "كراكال" من فرنسا بمليار يورو، وقبل ذلك بفترة أيضاً أعلنت شركة بوينغ الأميركية أنها بصدد إبرام صفقة لبيع 40 طائرة سوبر هورنيت بـ3 مليارات دولار، وهذه الأيام نقرأ في الصحف أخبار مشروع صفقة شراء 28 مقاتلة "يوروفايتر" بقيمة ثمانية أو تسعة مليارات يورو، (كأن فرق المليار بين الثمانية والتسعة ليس مهماً).

ما هذا الذي يحدث اليوم؟! هل سنعلن الحرب على دولة ما قريباً، لهذا نكدس الأسلحة تحسباً لها، أم أننا نساهم، عن سبق إصرار، وبرغم جراحنا الاقتصادية، لدفع عجلة الاقتصادين الأوروبي والأميركي للأمام؟ أم هي صفقات مجاملات وشراء رضا وبركات تلك الدول كي نظل دائماً في خانة الأصدقاء المقربين للسادة الغربيين…؟!

أتخيل أن طائرات الايرباص والبوينغ التجارية لا تطير فقط بوقود رخيص من دولنا، بل تحلق عالياً مثل التنينات، وتبتلع أموالاً "كاش" من خاصرة اقتصادنا، وتقضم بشراهة أعمارنا ومستقبل أجيالنا حين نرهنه لتلك المؤسسات المالية ودولها.

 أثار الزميل جاسم بودي، أمس الأول، في افتتاحية "الرأي" عدة تساؤلات عن جدوى الصفقة أو مشروعها، ووجه عدة اتهامات تتعلق بعيوب مصنعية لطائرات الصفقة وأسعارها، كي يصل في النهاية إلى التقرير بأن قيمة عمولة الصفقة التي ستدخل جيب وكيلها "المجهول" تبلغ 450 مليون دولار! هكذا تكون صفقة العمر "والا بلاش"! وقبل افتتاحية الزميل، توجه أيضاً النائب عبدالله التميمي بعدة أسئلة إلى وزير الدفاع في فبراير الماضي عن مشروع هذه الصفقة.

ما يثير الأسى الآن، ليس محدداً بالصمت الحكومي وتعامي السلطة عن قراءة حالنا المالي اليوم قراءة واعية قلقة، بل تمتد مشاعر "الكسافة" والحزن بسبب عدم اكتراث مؤسسات المجتمع المدني، وتبلد الإحساس الشعبي بمسلسل الهدر المستمر لحاضر الدولة ومستقبلها… كي يصبح التحذير من حالنا "الكسيف" اليوم مثل الذي يؤذن في مالطا، والله أكبر.