سياسة وأمن » دراسات سياسية

اختلاف دول مجلس التعاون .. رحمة !

في 2015/10/07

فريد أحمد حسن- الشبيبة العمانية-

تعليقا على علاقات دول مجلس التعاون مع إيران خصوصا في خضم التطورات غير الطبيعية والمتسارعة التي تشهدها المنطقة كتب باحث خليجي تغريدة ملخصها أن إحدى دول التعاون تسحب سفيرها من طهران وتطرد القائم بأعمال السفير الإيراني لديها وترفع شكوى ضد إيران لدى الأمم المتحدة بينما تتشدد أخرى وثالثة تدعو لحوار بين دول التعاون وإيران ورابعة تتفرج من بعيد ، يريد بذلك التساؤل عن كيف يمكن لدول التعاون أن تكون متعاونة وهي تعاني من كل هذه المتناقضات التي تقسمها في أبسط الحالات إلى فريقين ؛ فريق مع إيران وآخر ضدها .

التساؤل مهم ويشغل بال الكثيرين ويعبر عنهم لكن الجواب يختلف بشأنه . يكفي معرفة أن دول مجلس التعاون ليست دولة واحدة ولا تعتمد سياسة واحدة ، فلكل دولة من الدول الست - حسب أنظمة وقوانين المجلس - سياستها الخاصة بها وحقها في اتخاذ المواقف التي تخدم مصلحتها واستراتيجيتها ، لكنها تتوافق مع بعضها البعض في الخطوط العريضة ، أي أن هناك دائما مساحة تتيح لكل دولة التحرك فيها بحرية ومن دون حرج طالما أن هذا التحرك يخدمها ويحقق مصالحها وفي نفس الوقت لا يضر بمصالح الدول الأخرى المتشاركة معها في منظومة التعاون . اختلاف المواقف في مثل هذه الأحوال لا يخلو من جانب إيجابي .

لنتصور أن دول مجلس التعاون كلها سحبت سفراءها من إيران وطردت سفراء إيران المعتمدين لديها وقطعت علاقاتها مع هذه الدولة الجارة ، كيف سيكون الحال في المنطقة ؟ هنا تتضح بسهولة فكرة أن تقف واحدة أو أكثر من دول هذه المنظومة على الحياد لتتمكن من أن تلعب دورا يغني المنطقة عن اللجوء إلى البعيد كي يعيد الأمور إلى سياقها الطبيعي .

للتدليل على هذا يمكن القول إنه لولا أن سياسة سلطنة عمان تعتمد مبدأ الوقوف على مسافة واحدة من كل الدول وعدم الدخول في أي تحالفات ضد أي دولة مهما كانت الأسباب لما أمكن حل كثير من المشكلات التي عانت منها المنطقة وعانى منها مجلس التعاون نفسه ، فلولا أن السلطنة ظلت على الحياد لما تم حل مشكلة سحب سفراء ثلاث دول خليجية من الدوحة وعودة الأمور إلى ما كانت عليه ، ولولا أن السلطنة لا تدخل في تحالفات لما أمكنها من لعب دور إيجابي في اليمن وسوريا وغيرهما من البلدان التي تعاني من مشكلات تتطلب من يساهم في إيجاد حلول لها ، ولولا أن السلطنة كسبت ثقة العالم الذي صار يعرف سياستها في مثل هذه الأمور لما أمكنها حل مشكلة النووي الإيراني الذي لولاها لازداد توتر المنطقة ولصعب الدخول في مرحلة جديدة خالية من تهديدات السلاح النووي . دولة قطر هي الأخرى تسير في الطريق نفسه ولهذا لم تتردد عن الإعلان في الجمعية العامة للأمم المتحدة عن استعدادها لاستضافة حوار بين دول المجلس وإيران .

سلطنة عمان ودولة قطر ما كان لهما أن يمارسا هذا الدور لو أنهما كانتا مثل دول المجلس الأخرى تتخذان موقفا سالبا من إيران ، أي أنه لم يكن بالإمكان توفير سبيل إلى التفاهم بين دول المجلس وإيران .

الناظر إلى الساحة اليوم يسهل عليه الاستنتاج بأنها مقبلة على وضع يزداد تعقيدا خصوصا بعد اتهام بعض دول التعاون إيران بالتدخل في شئونها الداخلية ووصول الأمر حد رفع البحرين شكوى رسمية لدى الأمم المتحدة ، والصدام الذي حصل أخيرا في موسم الحج بين السعودية وإيران بسبب حادث التدافع في منى والذي أسفر عن مئات الوفيات والجرحى ، وترسانة الأسلحة التي تم اكتشافها في الكويت وذكر فيها اسم إيران بوضوح ، والخلاف الذي بدأ يكبر بين الإمارات وإيران بشأن اليمن والذي يضاف إلى خلافهما السابق على الجزر الإماراتية الثلاثة ، لكن ذلك الناظر إلى الساحة يشعر بالتأكيد بشيء من التفاؤل وهو يرى أن هناك مخارج يتيحها الاختلاف الحاصل في مواقف بعض دول التعاون من إيران ، الأمر الذي يظهر الاختلاف هنا وكأنه رحمة وباب يمكن أن يفضي إلى ما يخفف من التوتر في المنطقة .

يحلو لي أن أكرر مقولة أن هذا الذي صارت فيه المنطقة سببه السياسة وأنه لتجنب كل هذا لا بد أن تتفق دول المنطقة على تقديم الاقتصاد على السياسة ، فالاقتصاد يحكم بطريقة مختلفة وبسببه تتريث الدول في ردود أفعالها لأنها تعلم أن ردة الفعل المبالغ فيها قد تكلفها الكثير فتنظر إلى الأمور من زاوية مختلفة .

لعل المخرج الأفضل لتجنب دول المنطقة مثل هذه الصدامات التي يمكن عنونتها بالعنيفة هو إقامة مشاريع اقتصادية تربط فيما بينها وتتأثر بسبب تعثرها كل دول المنطقة لو سخنت الساحة السياسية ، وهو ما يعني تقديم الاقتصاد على السياسة ، دون أن يعني هذا التفريط في الحقوق وتعطيل العمل السياسي ، فالاقتصاد مرتبط بالسياسة مثلما أن السياسة يمكن ربطها بالاقتصاد .

العلاقة الطبيعية التي تربط سلطنة عمان ودولة قطر بالجمهورية الإسلامية الإيرانية ينبغي الاستفادة منها في تهدئة المنطقة ورأب الصدع وتخفيف التوتر الحاصل اليوم بين أربع من دول التعاون وإيران لأن هذا التوتر ببساطة يضر بالمنطقة ويزيدها تعقيدا ، كما ينبغي التفكير مليا في إيجاد مشاريع اقتصادية ضخمة تربط دول المنطقة بعضها ببعض لتمنعها من تغليب فعل السياسة وليغلق الباب في وجه كل تفكير سالب وأحلام طائشة لا يمكن أن تعود على المنطقة إلا بالمضرة .