سياسة وأمن » دراسات سياسية

دعوة قطر والظروف السياسية

في 2015/10/07

د. أحمد عبدالملك- الشرق القطرية-

بعد ساعات قليلة من إعلان حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى من على منبر الأمم المتحدة، "استعداد دولة قطر إجراء حوار بين مجلس التعاون وإيران، وأن الخلافات بين الطرفين هي خلافات سياسية (عربية – إيرانية، وليست سنية / شيعية)، وهذه يمكن حلها بالحوار، والاتفاق على تنظيم العلاقة بين إيران ودول الخليج على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية"، أعلن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية (محد باقر نوبخت) أن " بلاده ترحب بما أعلنه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن إطلاق حوار بين إيران والدول العربية ". وأضاف " أن طهران ترغب بتقوية علاقاتها مع جميع الدول العربية". وأكد أن ذلك " جزء من سياسيات إيران الخارجية"!

وبعد يومين من ذاك الإعلان نشطت وسائل الإعلام في تحليل ظروف وحيثيات العلاقة بين إيران ومجلس التعاون! كما بالغ البعض من " خطر" تطبيع العلاقات مع إيران، وأن ذلك سوف " يشطر" مجلس التعاون.

وكان سعادة الدكتور خالد بن محمد العطية وزير الخارجية قد أعلن أنه " لا يوجد طرف خليجي أو آخر لا يرحب بوجود الإيرانيين إلى الطاولة، لكن ذاك الوجود له بعض الشروط لدى بعض الإخوة والأشقاء، وهي مخاوف مشروعة. وأن الجلوس إلى الطاولة يتطلب أن نناقش الملفات كافة، لا أن تكون جلسة انتقائية ننتقي فيها ما نريد التحدث به وما لا نريد التحدث به، وهذا مطلب التعاون لدول الخليج العربية، أن يكون الحوار في الملفات كافة ".

من جانبه رحب السفير الإيراني في الدوحة السيد / محمد جود آسايش بالدعوة التي تفضل بها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى لإجراء حوار بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي. وأعرب السفير عن أمله في أن تتوفر أرضيات هذا العمل بأسرع وقت. وقال " إننا نرحب دائماً بهذه الحوارات وعلى استعداد كامل لها". وأضاف السفير الإيراني " مبادرة سمو الأمير مبادرة طيبة ومشكور عليها، لأن الحوار، خاصة بين دول الجوار التي تجمعها وشائج وأواصر وطيدة هو أفضل الطرق للتفاهم والتواصل والتعاون". (الراية – 1/10/2015)

بالطبع هناك جناح في مجلس التعاون يرى أن الحوار مع إيران يجب أن يشمل "حزمة" متكاملة من القضايا التي يجب أن تكون فوق الطاولة، لا أن تجري مناقشة القضايا العالقة منفصلة – كما أعلن ذلك سعادة وزير الخارجية - ولعل أهم ما يمكن تصوره في هذا الصدد أن يكون هناك (اتفاق أدبي وأخلاقي) بأن تكف إيران عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية والمجاورة، خصوصاً بعد التوصل إلى اتفاق حول ملف إيران النووي مع الغرب، وعودة العلاقات من جديد بين الطرفين، ما يمكن أن يؤهل إيران أن تدير دبلوماسيتها بشكل مختلف عما كان عليه الوضع في السابق.

فلقد كشفت إحدى الفضائيات الإيرانية - قبل أيام – الوجود الإيراني في كل من لبنان، سوريا، اليمن، العراق، وأفغانستان، ودعمت الصور بخرائط توضح مكان التواجد الإيراني، وكذلك الأعلام الإيرانية وأعلام (حزب الله) في اليمن مثلاً! وكانت صور القادة الإيرانيين والأعلام الإيرانية قد ارتفعت في أراض عربية وخليجية، ضمن مظاهر العنف التي اجتاحت بعض العواصم العربية. وهذا يتنافى مع ما تأهلت إيران له باتفاقها مع العالم على محددات استخدام الطاقة النووية، واستحقاقات العلاقات الطبيعية بينها وبين العالم.

وقبل أيام اكتشفت الأجهزة الأمنية في مملكة البحرين مصنعاً كبيراً لصنع المتفجرات، واعتقلت عدداً من المُشتبة بهم ممن كانت لهم صلة بالموضوع ولهم اتصالات مع عناصر إرهابية في كل من العراق وإيران والحرس الثوري الإيراني. وإثر ذلك استدعت مملكة البحرين سفيرها من طهران وأمهلت القائم بالأعمال الإيراني 72 ساعة لمغادرة المنامة.

وعلى إثر ذلك قدمت مملكة البحرين شكوى رسمية ضد إيران للأمم المتحدة يوم 2/10/2015، بسبب "انتهاكاتها السافرة، واستمرار تدخلها المرفوض في الشأن الداخلي لمملكة البحرين". كما جاء ذلك خلال اجتماع وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد الخليفة مع الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

بطبيعة الحال لن يستطيع أحد أن ينكر الدور الإيراني الواضح أيضاً في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وأثر هذا الدور على عدم تحسّن العلاقات العربية الإيرانية.

وهنالك من يربط ربطاً غير موفق بين مساندة قطر لإعادة الشرعية في اليمن – وهو موقف مجلس التعاون – وبين الدعوة لإجراء حوار مع إيران، التي تدعم الحوثيين في اليمن! ويرون أن هذا الموقف طارئ أو مختلف عن مواقف بقية دول المجلس!؟ وأن في ذلك تجاوزاً لمجلس التعاون، كون تلك الدعوة " قراراً مصيرياً" لا بد وأن ينال الإجماع في منظومة مجلس التعاون. وللأسف فإن تلك النظرة قاصرة على إدراك المدار السياسي الخليجي، خصوصاً وأن أمير دولة قطر يرئس الدورة الحالية لمجلس التعاون، وهو يتحدث عن دول المجلس بتلك الصيغة، ولذلك دلالات هامة ترد على بعض " المتشككين" بوجود " انشقاق" داخل المجلس حول الحوار مع إيران! كما يربط بعض " المتشككين " العلاقات القطرية الإيرانية بالمصالح الاقتصادية، وهي التوافق حول إنتاج الغاز والبترول في الخليج. ولا نرى في ذلك أية غضاضة لأن مصلحة الدول المتجاورة، أو المتشاطئة تحتّم أن تكون هنالك حالة من الهدوء والسلام والأمن لحفظ مصالح الطرفين، بدلاً من زرع الشقاق المؤدي إلى مواجهات عسكرية وأزمات لن تكون فيها فائدة للشعوب. كما أن دعاة الموت والتخريب والرافضين لحل المشاكل العالقة بين دول الجوار عبر الحوار، لا شك يضرمون النار ويصبون عليها الزيت من أجل زعزعة الأمن والاستقرار في منطقة الخليج. كما أن دول العالم التي تستفيد من النفط والغاز لن تسمح لأي دولة أن تلعب بالنار وتعيق تدفق النفط إلى العالم، ولعل الجميع يذكر حرب (عاصفة الصحراء) التي هدفت - ضمن ما هدفت - عدم تمكين (صدام حسين) من النفط الكويتي، ما يمكن أن يؤثر على العالم أجمع.

إن سلطنة عمان ظلت على الدوام فاتحة قنوات اتصال مع إيران، منذ قيام مجلس التعاون عام 1983، ولم يحصل أن " تعكَّرت" علاقاتها مع أي من دول المجلس، بل كانت دول المجلس تنظر إلى (الدفء) في العلاقات العمانية الإيرانية على أنه (نافذة) يمكن من خلالها توصيل رؤى المجلس إلى إيران والعكس. ولسنا نرى في ذلك أي انتقاص من دور سلطنة عمان، العضو المؤثر في مجلس التعاون. ذلك أن السلطنة تتقاسم حماية مضيق هرمز الاستراتيجي مع إيران، وهي ترى أن التفاهم حول تلك الإدارة تتطلب فتح قنوات اتصال.

ولئن فكّر البعض بأن الدعوة القطرية محاولة لإطفاء الحرب والمنغصات في الشرق الأوسط، فإن المحاولة بحد ذاتها نبيلة ولا يجب أن تؤخذ بحساسية لأنها جاءت من دولة قطر.

إن في تلك الدعوة استجابة لروح العصر ومتطلبات الدبلوماسية الناجحة لتجنيب المنطقة ويلات الحروب وتداعيات الإرهاب الذي عصف بالعديد من الدول، وكانت نتيجة ذلك سقوط الدول وتشتت شعوبها في المنافي وتدمير البنى التحتية التي عكفت تلك الدول على إنشائها لعشرات السنين.

وأخيراً، نقول إن بعض الأقلام – والفضائيات – التي تحاول دقَّ إسفين بين دول مجلس التعاون يجب أن تتوقف عن ذلك، لأن بين هذه الدول من التاريخ والمصير المشترك والمصالح، ما يمكن أن يسمو فوق كل اختلافات في وجهات النظر بين الدول حول هذا الموضوع أو غيره.