سياسة وأمن » دراسات سياسية

ولروسيا حربها الخاصة بها ضدَّ داعش!

في 2015/10/09

جواد البشيتي- الوطن العمانية-

مع مضي الولايات المتحدة قُدُمًا في حربها على “داعش”، قد نَسْمَع خبرًا مفاده أنَّ هذا التنظيم الإرهابي الوحشي قد ضَرَبَ في إيران، التي يَحِقُّ لها، عندئذٍ، وبصفة كونها “المُعْتَدى عليه”، إرهابيًّا، أنْ تُدافِع عن نفسها، وتدرأ عنها مَخاطِر إرهاب “داعش” في الطريقة التي تَجِدها مناسبة.

إيران قد تَعاوَنَت، “حتى الآن”، و”في طريقتها الخاصة”، مع الولايات المتحدة في حربها على “العدوِّ المشتَرَك (“داعش”)”، في العراق؛ لكنَّ طهران لا تَعْرف “المجَّانية” في “المعونة” التي تُقدِّمها إلى الولايات المتحدة؛ أمَّا “روسيا بوتين”، المتَّهَمَة غربيًّا بـ”إعادة رسم الخرائط في أوروبا بقوَّة السِّلاح”، والمتورِّطة في “حربٍ باردةٍ (شرعت تَسْخُن)” معه في أوكرانيا، والنَّاقِمة عليه لتماديه في فَرْض العقوبات عليها، فتَنْتَظِر “الفرصة الملائمة”؛ فَلِمَ لا “تُنافِس” الولايات المتحدة في الحرب على “الشيطان الرجيم نفسه”، أيْ “داعش”؟! لِمَ لا تُمارِس “الحق نفسه”، وتُحارِب “داعش” في الطريقة نفسها؟!

نظريًّا (في المقام الأوَّل) وعمليًّا (في المقام الثاني) تستطيع روسيا، ويحقُّ لها، أنْ تبتني “تحالفًا دوليًّا” خاصًّا بها، وتقوده هي، في “الحرب المقدَّسة” على “داعش”، في سوريا، وفي معقلها في “الرقة”؛ فهي والولايات المتحدة تتقاسمان “الشرعية الدولية نفسها”، وهي قرار مجلس الأمن الدولي الذي يَدْعو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى مَنْع السلاح والمال عن “داعش” الإرهابي، الذي يتهدَّد الأمن والاستقرار الإقليميين، وقد يتهدَّد الأمن والاستقرار الدوليين؛ ولم يَصْدُر عن المجلس نفسه أي قرار “يُشَرْعِن (دوليًّا)” حرب “التحالف الدولي”، الذي تقوده الولايات المتحدة، على “داعش”.

ومِنْ طَلَبٍ تتقدَّم به الحكومة السورية تستطيع روسيا أنْ تستمدَّ “شرعية أخرى” لشنِّها حربًا خاصَّة بها (وبتحالفها الدولي) على “داعش” السوري، وإنْ كان في مقدور الولايات المتحدة أنْ تقول: شتَّان ما بين الحكومة العراقية الجديدة والحكومة السورية.

وإذا كان “جيش أوباما الجوِّي” قد وَجَد له جيشًا محليًّا (عراقيًّا) على الأرض (في مقدمه “البيشمرجة”) لـ”ملء الفراغ”، أيْ للسيطرة على المواقع والمناطق، التي يُرْغَم “داعش” على تَرْكها بسبب الضربات الجوية، فإنَّ “جيش بوتين الجوِّي (أو البحري)” لديه الآن “الجيش السوري (وحلفاؤه الإقليميون)”، الذي ينبغي له أنْ يُسْرِع في “ملء الفراغ” في المناطق التي قد يُرْغَم “داعش” على تركها ومغادرتها، وإلاَّ اغْتَنَم “الجيش الحر”، وقوى أخرى من المعارضة، هذه “الفرصة الروسية”.

ويستطيع بوتين أنْ يُخاطِب أوباما قائلًا: لقد عَرَض عليكم الرئيس بشار خدماته في الحرب على “داعش” الإرهابي، وقَبِلَ أنْ يجعل جيشه قوَّة برية في حربكم؛ لكنَّكم أَبَيْتُم واستكبرتم؛ وعليه، لا يحقُّ لكم لومه إذا ما ارتضى أنْ يجعل جيشه قوَّة برية في حربنا نحن على “داعش” السوري؛ فلكم “داعش” العراقي، ولنا “داعش” السوري؛ ولا تنسوا أنَّ لدينا من الحلفاء الإقليميين ما يكفي لجَعْل حربكم على “داعش” العراقي أشدَّ صعوبة.

“داعش”، في سوريا، والحكومة السورية أَثْبتا ببعض الأفعال أنَّ كليهما يعادي الآخر، ويحاربه في شراسة. إنَّ “داعش” يحارِب الحكومة و”معارضيها (المعتدلين)” معًا؛ وإنَّ الحكومة تحارب “معارضيها (المعتدلين)” و”داعش” معًا؛ وإنَّ “المعارَضَة (المعتدلة)” تحارِب الحكومة و”داعش” معًا؛ ويبدو أنْ لا مكان في هذا الصراع لمبدأ “عدوُّ عَدُوِّي صديقي”!

وفي “الحرب (أو الحملة العسكرية) العالمية” على “داعش”، والتي تقودها إدارة الرئيس أوباما، وتخوضها بـ”الضربات الجوِّية”، أُخِذَ بـ”مبدأ جديد” هو الآتي: كلُّ عضو في “التحالف الدولي”، الذي تقوده الولايات المتحدة، يجب أنْ يكون معاديًا لـ”داعش”؛ لكن ليس كل طرفٍ معادٍ لهذا التنظيم يجب أنْ يكون عضوًا في هذا التحالف. وعملًا بهذا المبدأ، وعلى ما تقول إدارة الرئيس أوباما في مواقفها المُعْلَنَة، لا مكان في هذا التحالف لإيران والحكومة السورية، ولا لروسيا.

“روسيا بوتين” مع القضاء على “داعش” قضاءً مبرمًا، ومع تحالف دولي يَضُم “كل طرف معادٍ لهذا التنظيم، ويرغب في الانضمام إلى هذا التحالف”؛ ويمكن، من ثمَّ، ويجب، أنْ يحظى هذا التحالف، وجودًا وعملًا، بـ”الشرعية الدولية”، التي هي، بحسب وجهة نظر موسكو، قرارٌ يَصْدُر عن مجلس الأمن الدولي، يُقام بموجبه هذا التحالف، ويُفَوَّض في شَنِّ الحرب على “داعش”؛ ولِكَوْن التحالف الدولي الذي تتوفَّر الولايات المتحدة على بنائه يَفْتَقِد “هذه” الشرعية الدولية، اعترضت عليه موسكو، قائلةً إنَّ أي عمل حربي له في سوريا يُعَدُّ “عدوانًا” على هذه الدولة، و”انتهاكًا لسيادتها”، ولـ”القانون الدولي”؛ أمَّا إيران فقالت إنَّ الولايات المتحدة تَسْتَذْرِع بالحرب على “داعش” في الأراضي السورية لإطاحة بشار الأسد، أيْ لتغيير ميزان القوى العسكري على الأرض بما يُرجِّح كفَّة “المعارَضَة (المعتدلة)” على كفَّة بشار (وحلفائه الإقليميين المقاتلين مع جيشه).

موسكو يمكنها (ويحق لها) أن تشن ضربات جوية مركَّزة وقوية على “داعش” السوري، وبما يسمح لقوَّة عسكرية أرضية خاصة، تتألَّف من مقاتلين سوريين موالين للحكومة، ومقاتلين من “حزب الله (اللبناني)”، بـ”ملء الفراغ”، والسيطرة السريعة على مواقع “داعش” المضروبة من الجو. ومع إعلان تلك المناطق (في شرق وشمال سوريا) مناطق محرَّرة من “داعش”، مشمولة (من الآن وصاعدًا) بـ”السيادة السورية”، لا يبقى لدى الولايات المتحدة (وحلفائها) من “ذريعة”، أو من “سبب وجيه”، للاستمرار في شن غارات جوية على “داعش” السوري، الذي، على افتراض أنَّه قد هُزِم عسكريًّا في سوريا، قد يَنْقُل قسمًا كبيرًا من قواه العسكرية والقتالية إلى المناطق العراقية الخاضعة لسيطرته، إذا ما أراد اجتناب مزيدٍ من الخسائر في الأراضي السورية.