دعوة » مواقف

علماء البيانات.. والعمى عن الوطن!

في 2015/10/10

أحمد الهلالي- مكة نيوز السعودية-

بيان لأكثر من خمسين رجلا أسموا أنفسهم (علماء السعودية) يدعو أهل سوريا إلى التوحد في وجه العدوان الروسي الداعم للأسد في قتل شعبه، وموقف روسيا في هذا الشأن لا يخفى منذ استخدامها (الفيتو) في مجلس الأمن ضد أي تحرك دولي يطيح بالأسد، ولا أدري حقيقة ماذا يقصد أصحاب البيان ببيانهم، فهل يريدون إيقاف المهجّرين ليثبتوا في مواجهة براميل الأسد وصواريخ روسيا وإيران بحقائبهم الفارغة، أم يقصدون توحّد أطماع الفصائل المتناحرة ليصبحوا صفا واحدا يحاربون تحت راية داعش، أو النصرة، أو عصائب أهل الحق، وغيرها.

الغريب في البيان أنه لم يأتِ على سيرة الجيش الحر، بضباطه الأحرار المضحين بمناصبهم وأمن أسرهم في انضمامهم إلى الثوار بعد اندلاع الثورة، فوقفوا شوكة في نحر الأسد، لكن دخول الجهاديين أفسد القضية النضالية التي بدأها أهل سوريا كما بدأها أهل تونس وليبيا واليمن ومصر، فاستطاع الأسد أن يحولها إلى حرب طائفية، ساعده فيها بعض مشايخنا الفضلاء دون قصد، إذ جيشوا مشاعر الشباب، وأوغروا صدور الأتباع طائفيا، حتى حولوها من ثورة على نظام مستبد إلى حرب دينية، فأي هدية وأي فرصة وجدها الإرهابيون أفضل من هذه الفرصة، في بلاد تشهد اضطرابا سياسيا وأمنيا، يحج إليها الشباب للشهادة، فنصبوا شباكهم، واصطادوا المعبَّئين، فكثرت الأطماع والأهواء السياسية بين الجهاديين، فاقتتلوا، وقاتلوا الجيش الحر، وتركوا بشار يعيث في شعبه قتلا وتدميرا.

إن تعليق الأخطاء على الشرق والغرب هو الضلال البعيد بعينه، وليس استنباط العلماء الأجلاء ذكاء خارقا في مطامع الأقوياء، فالجاهل يعلم أن الدول العظمى لا تكترث لقضايانا، وهي تصرّح بذلك علانية، فهمّها الأول (مصالحها)، ثم تأتي أولوية (أمن إسرائيل)، ولا شأن لها بأمننا، وكان من باب أولى أن يأتي هذا البيان من العلماء موجها إلى الطائفية التي مزقت الأمة، فينادون بنبذها وتوحيد صف الأمة، فالطائفية هي المائدة الأولى التي نادت أطماع الكبار، وأسالت لعابهم حول قصعتنا، وها هم يتكاثرون بذريعة وقف اقتتالاتنا الطائفية، حتى أصبحت منطقتنا حلبة استعراض عضلات الشرق والغرب، فهم عارضو العضلات ونحن القتلى والمسحوقين تحت تكتيكاتهم الأليمة.

إن النَفَس الطائفي البغيض عاصف في أثناء البيان، والتنازلات عاصفة في أرجائه الباهتة، فقد كان خطابنا في الثمانينات والتسعينات أن (الأمة الإسلامية) كلها مستهدفة، ولم يكن شيخ يجرؤ على ذكر (أهل السنة) في معزل عن الأمة الإسلامية جمعاء، لكن خطاب الطائفية اليوم سوّغ هذا التنازل، فصار (أهل السنة) مجرد طائفة في مقابل طوائف كثيرة متناحرة، وكل طائفة ترى أنها هي المستهدفة، إمعانا في هدر معنى (الأمة) كما ورثناه، ثم إني أجزم أن هذا البيان سيهدي التنظيمات الإرهابية كباشا سعودية جديدة باسم الجهاد، في أفغانستان جديدة!!المؤلم اليوم على صعيد ما يسمى (بيانات علماء السعودية) أن هذه البيانات تخرج باستمرار في إطار التسييس أو الطائفية، وتغفل أنها تدخّلٌ سافرٌ في شؤون الآخرين كما في العراق أو سوريا أو مصر وغيرها، والأكثر إيلاما أن تلك البيانات تغيب تماما عن حرب السعودية الحقيقية ضد الإرهاب، فكم عدد الحوادث الإرهابية فقط في هذا العام 1436هـ؟ وهل صدر بيان واحد ممن يسمون أنفسهم (علماء السعودية)؟ فلماذا غابت أصواتهم ونحن جميعا (دون استثناء) ضحايا محتملة في تلك الأعمال الإرهابية؟ لماذا صمتوا أمام المد الداعشي في أوساط الشباب ضد أهليهم ووطنهم؟ ولم يجرؤوا على كتابة بيان واحد يدين العنف والإرهاب والمساس بالوحدة الوطنية؟إن هذا الصمت حديث صاخب في حقيقته، وعلامة رضا لما يحدث في بلادنا، أو علامة تشكك في حقيقة الصدع بالقول في قضيتي الإرهاب والوحدة الوطنية، فلماذا امتدت أعناق علمائنا إلى كل أصقاع المعمورة، وتقاصرت عن النظر في قضايا مجتمعنا، ولست هنا أنكر واجباتنا في نصرة إخوتنا العرب والمسلمين، لكن المؤلم أن نكون طرفا في معاناتهم وآلامهم، فقد بايعنا رجالا أمناء في القضايا الدولية، شديدي الحرص على استقرار المنطقة، فانضمام الدولة للتحالف في الحرب على داعش، وحملها أعباء إعادة الشرعية في اليمن، ودخولها حربا ضارية لا تزال مستمرة تكفينا عناء التشنج، وتأجيج المواقف، ألا تستحق هذه الدولة من علماء البيانات عشرات البيانات أو حتى بيانا واحدا على الأقل يستنكر فيه (العلماء) الجرائم الإرهابية، ويؤيدون الدولة في حربها الضروس عليه، ألا يستحق رجال الأمن الإشادة بجهودهم في حمايتنا وحماية مقدراتنا، والوقوف في وجه الخطاب الإرهابي التكفيري المنادي بقتلهم أينما ثقفوا حتى في غرف نومهم وبين أبنائهم؟ كفى يا مشايخ البيانات، كفى والله، فبلادكم أحق بوقفتكم، وما تجاوز حدودها سيكون لدولتنا المواقف المحمودة كما عوّدتنا.