دول » عُمان

المرحلة ليست اللوم والعتاب

في 2015/10/13

علي المطاعني- الشبيبة العمانية-

في الوقت الذي يتطلع فيه الجميع إلى تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على النفط كأهداف استراتيجية طموحة للبلاد والعباد، إلا أن هناك أمورا يجب أن نعيها في هذا الجانب، وظروفا يجب تقديرها، وأوضاعا يجب مراعاتها. فالواقع دائما يختلف عن الأمنيات والتطلعات، فالحكومة قامت بمجهودات كبيرة في السنوات الماضية على العديد من الأصعدة والمجالات، سواء في المجالات التنموية أو تنويع مصادر الدخل، وهناك تقدم ملحوظ في هذا الشأن. إلا أن الأمور لا تسير وفق ذلك، بأننا لم نقلل اعتمادنا على النفط، ونعمل على التنويع الاقتصادي، ونجلد ذاتنا كثيرا بدون النظر بواقعية على العديد من الجوانب، منها مرتبط بأوضاع البلاد ومنها الآخر.

فالوقت الراهن الذي نعيشه ليس للعتاب واللوم على ما مضى وكان، أكثر من الالتفاف على الذات، وتجاوز الهفوات، والنظر للأمام؛ لمواجهة التحديات والواقع بكل صعابه ومشاكله، فليس هناك عمل إنساني بدون أن يصاحبه خطأ، ومن لا يعمل لا يخطأ والعكس صحيح، والاجتهادات في الأعمال مطلوبة، ومنها ما نال النجاح ومنها ما جانبه ذلك، وهذه سنة الحياة، وهو ما يجب تقديره، فما تحقق من تنمية في البلاد وتنويع اقتصادي يمضي وفق خطط وآليات، بعضها تحققت فيه نجاحات، وبعضها الآخر فيه إخفاق طبيعي في كل الأحوال.

ولا أحد منا ـ سواء حكومة أو أفراد ـ يرضيه أن نبقى معتمدين على مصدر واحد للدخل، يشكل أكثر من 80 بالمئة من الإيرادات الكلية للدولة، ولكن الجهود بذلت في التنمية الشاملة التي عمت البلاد، واستهلكت الكثير من الموارد، وما زالت غير مكتملة بالتمام والكمال، والإمكانات التي أنفقت في البنى الأساسية في كل القطاعات التي يرفل بها الوطن من أقصاه إلى أقصاه، فهذه حقائق لا جدال فيها ولا مزايدة عليها.

إن تنويع مصادر الدخل ظل ـ وما زال ـ همَّ الحكومة منذ انطلاقة النهضة المباركة، وفي كل الخطط الخمسية محورا من المحاور الأساسية، وفي كل الخطابات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ يؤكد أهمية هذا الجانب، وتكاد كلماته السامية لا تخلو ـ عندما يعرج على الجانب الاقتصادي ـ من التطرق إلى تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط، فخصص جلالته ـ أيده الله ـ أعواما للزراعة والصناعة والسياحة؛ لكونها محور الاقتصاد في السلطنة.

ومنحت التسهيلات والحوافز للاستثمار في كل المجالات بدون حدود، لجذب المستثمرين من الداخل والخارج، وأقيمت المناطق الصناعية التي هيأت كل المرافق والموانئ لتعزيز العمل الاقتصادي والاستفادة من الموقع. كل ذلك وغيره أنجز وتبلور على أرض الواقع بدون شك، لكن تنويع مصادر الدخل ليس بالأمر السهل، كما يتوقع بعضنا. فالتحديات كثيرة التي تواجه ذلك، منها المناخية والطبوغرافية والسكانية والمجتمعية، كما يجب أن لا نغفلها، ولا نستسهلها من خلال الكلام فقط. لكن في أرض الواقع، صعبة وغير ممكنة في أحيان كثيرة.

فتنويع مصادر الدخل المتمثلة في زيادة إيرادات القطاعات غير النفطية مثل الزراعة ـ على سبيل المثال ـ مرتبطة بالمناخ وتوافر المياه، ومدى الجدوى الاقتصادية بين الاستيراد والإنتاج، والصناعة مرتبطة مثلا بمدخلات الإنتاج والتطور العلمي والتكنولوجيا، وكلفة التصنيع مقارنة بالتوريد، والاستثمار وجلبه من الخارج مرتبط بالجدوى الاقتصادية، وبعدد السكان والقوة الشرائية واكتمال البنية الأساسية كالطرق والموانئ، والتطور في البلاد.

والسياحة مرتبطة كذلك بتطور المجتمع وجاهزيته، وعدم استغلاله من جانب السياح، وأمور أخرى ينظر لها المستثمر في الاستثمار قبل أن يفكر بالمجيء إلى هنا أو هناك، والمقارنات ـ أيا كان نوعها وطبيعتها ـ ليست عادلة في كل الأحوال.

وكل هذه التحديات ـ بالطبع ـ تحد من تنويع مصادر الدخل في البلاد، لكن ما تحقق على ضوء هذه الظروف جيد وقابل للتطور، مع الكثير من العمل ونكران الذات، وتضحية وتعزيز الإنتاجية، وهو ما يجب أن نفهمه ونقدره، وعدم جلد الذات بدون أي تغيير في الكثير مما يجب علينا نحن كأفراد؛ لكوننا نشكل الحكومة والمجتمع المنتج والمستهلك.

إن الحكومة تبذل جهدا ـ وما زالت ـ على العديد من الأصعدة والميادين، يجب أن لا نقلل من هذه الجهود التي تبذل، وإنما نكون السند لها، ونخرج من قوقعة السلبية إلى فضاءات الإيجابية، فالحكومة من يعمل بها هم موظفون في كل قطاعاتها، والموظفون هم إخواننا وأصدقاؤنا وأهلنا، ونحن عندما ننتقد الحكومة فإننا ننتقد أنفسنا، والحكومة ليست هياكل إسمنتية، والوزارات ليس قلاعا من (الطابوق)، وإنما نحن من يعمل على تسيير العمل في كل الميادين، وإذا وجد إخفاق في شيء فمرده نحن في الأساس كمواطنين؛ لكوننا نشكل الحكومة والدولة معا.

بالطبع نحن ليس في مرحلة التقييم واللوم والمراجعة، وإنما في مرحلة التضحية وتحمل المسؤولية، والعمل وبناء الذات، للمرور الآمن واستشراف المستقبل، والعمل الدؤوب لبناء الوطن.

نأمل أن نتفهم هذه المعطيات التي أسهمت في بناء السلطنة في العقود الماضية، والدواعي التنموية التي كان لا بد منها لبناء البلاد وراحة العباد، ونتفهم ظروف مجتمعنا التي لا تساعد هي أيضا على نقل تجارب بدون جاهزية منه وقدرة على التفاعل الإيجابي، فالقفز على المراحل قد يوقعنا في المحظورات.