مجتمع » حريات وحقوق الانسان

حرية مسؤولة أفضل من فوضى خلاقة

في 2015/10/29

علي المطاعني- الشبيبة العمانية-

في ظل الاستخدام الخاطئ لوسائل الإعلام الاجتماعي والفضاءات المفتوحة التي أتاحت للجميع استخدامها بالكيفية التي يراها مناسبة، ومن كافة أطياف المجتمع بدون أدنى حدود للمسؤولية الأدبية والقانونية التي تحتم على الفرد احترام مؤسسات الدولة وهيبتها والحرص على مسؤوليات الوظيفة العامة وأسرارها، فإنه من الأهمية ضبط الممارسات الخاطئة التي أتاحت للبعض تناول أسرار الدولة ومؤسساتها، والإساءة لسمعتها من خلال بث ونشر بعض البيانات والإشاعات والتحريض على الجهات باستخدام معلومات مغلوطة محدودة التداول على ما لديهم سلطة القرار.

فقد جاء المرسوم السلطاني رقم 40 / 2015 ليضع حدا للحريات غير المنضبطة التي تهدد كيان المجتمع، وتحدث فوضى في أوساطه، وتشوه سمعة مؤسسات الدولة على نحو غير مقبول ومسؤول أن يكون بهذا المستوى المتدني في التناول، وتعرية أجهزة الدولة بشكل يضعها في إحراجات أمام الرأي العام، ويكشف كل أوراقها وبياناتها على الملأ من خلال موظفين وأعضاء في مجالس وجمعيات سواء على رأس مؤسساتهم أو خارجها أو بعد التقاعد بحكم عمله في الحكومة، الأمر الذي فرض إيجاد آليات تحد من هذه الممارسات غير المسؤولة أو تضع كل فرد أمام مسؤوليات والتزامات قانونية تجعله يتحكم بما لديه من أسرار وبيانات أتيحت له بحكم موقعه في الدولة، وعليه عدم إشاعتها أو تسريبها أو التحريض بها، وعدم استخدامها لتحقيق مصلحة شخصية، الأمر الذي يضع الجميع أمام واجبات كبيرة تحتم عليه الالتزام بها، وإلا سيكون تحت طائلة القوانين المعمول بها وبأقصى العقوبات المحددة للكلّ.

فبلا شك إن الوظيفة مسؤولية وتكليف في ذات الوقت سواء كان الموظف على رأس عمله أو خارجه، والتكليف المقصود ليس التزاما بالدوام أو المواظبة عليه فحسب، وإنما يقتضي الحفاظ على الأسرار والبيانات التي بحوزة الموظف ويلتزم بعدم استخدامها بطرق غير سليمة، أو تسريبها لتحقيق أي منافع أو التأثير على القرار، أو إشاعة معلومات خاطئة بهدف إحداث بلبلة في الأوساط المحلية وتأليب الرأي العام على جهة من الجهات الحكومية وتعريض مسؤوليها للإحراج، من خلال استخدام خاصية التواصل الاجتماعي التي أتاحت للجميع استخدامها بدون أي قيود أو حرية منضبطة التي تحافظ على استقرار المجتمع أو تقنن تسخير الوظائف العامة أو العضويات في مسائل تضر بمصلحة الدولة.

فللاسف أصبح البعض يفرد عضلاته على الدولة سواء مسؤولين أو متقاعدين أو أعضاء في مجالس كالشورى والدولة وغيرهم يكشفون ما بحوزتهم من بيانات ومعلومات أتيحت لهم بحكم عملهم أو عضوياتهم، والبعض الآخر يستخدمها لإظهار ما قام به إذا كان، أو يبرر أمورا لم تتحقق أو غيرها من الأسرار التي يتطلب الحفاظ عليها لما لنشرها أو تداولها من خطورة على جهات في الدولة والنيل من هيبتها، للكثير من الدواعي بعضها شخصي في عدم تحقيق مآرب خاصة كالمنصب أو المشروع .

ومن الجوانب التي عالجها المرسوم السلطاني إعاقة تنفيذ المشاريع التي تنفذها الدولة أو إحدى مؤسساتها أو التحريض على ذلك أو تسهيل ذلك لغيره، سواء كانت قرارات أو توجهات أو سياسات ترغب جهة من جهات الدولة تطبيقها أو اقتراحها، فتجد أن هذا المشروع أو تلك الخطة أو القرار قد تسرب من هذه أو تلك المؤسسة وأحدث بلبلة في الأوساط المحلية، مما يحد من تنفيذ أو يعيق الاستمرارية في هذه المشروعات في البلاد، ويسهم في إضعاف موقف مؤسسات الدولة أمام الرأي العام.

فالمرسوم أوضح بشكل صريح أن الوظيفة العامة سواء كانت في الجهات الحكومية أو المجالس المنتخبة والشركات الحكومية أو جمعيات النفع العام، أو كل من يعمل في مؤسسات الدولة أو شركات تساهم بها والمتقاعدين من أجهزة الدولة والأعضاء في المجالس والجمعيات سواء كانوا خلال فترات العمل، مسؤولية تلزمهم بعدم إذاعة أو نشر أي أخبار أو بيانات أو إشاعات من شأنها النيل من هيبة سلطات الدولة أو إضعاف الثقة فيها أو التحريض على ذلك أو تسهيل ذلك لغيره بأي وسيلة من الوسائل، وإعاقة تنفيذ المشاريع التي تنفذها الدولة أو إحدى مؤسساتها أو التحريض على ذلك أو تسهيل ذلك لغيره وإفشاء أي معلومات أو بيانات أو مستندات سرية مما يطلع عليها بحكم منصبه أو عمله أو عضويته أو استخدامها وبأي صورة لتحقيق منفعة شخصية له أو لغيره أو التحريض على ذلك أو تسهيل ذلك لغيره أوإهانة أي مسؤول أو موظف عام بالقول أو الفعل أو الاشارة أو الاعتداء عليه أثناء قيامه بواجبات منصبه أو أعمال وظيفته أو من خلال مشاركته بصفته في أي محفل كان.

وألزم المرسوم المسؤولين بالالتزام بأحكام القوانين والمراسيم السلطانية النافذة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تعد جزءا من قانون البلاد وغيرها من الأنظمة واللوائح والقرارات المنفذة لها ويحظر عليهم مخالفتها، ويعاقب كل من يخالف أحكام هذا القانون بالحد الأقصى للعقوبات المقررة لها في القوانين والأنظمة السارية هذا الإجراء يضع الجميع أمام عقوبات متفاوتة وفق الجريمة التي يقع فيها الشخص ووفق ما هو مبين في التشريعات العمانية.

بالطبع المرسوم ليس معناه عدم التواصل مع وسائل الإعلام أو إبداء الرأي أو التكتم المطلق، وإنما الهدف هو عدم الإضرار بمصالح الدولة والمسّ بهيبتها في كل ما يتعلق بعمل الموظف العام، والعضو إذا كانت لديه بحكم عمله وعضويته بيانات ذات صفة سرية أو محدودة التداول لا ينبغي له إشاعتها بين الناس.

نأمل أن تكون مثل هذا التشريعات والنظم تنظم العمل في أجهزة الدولة وكيفية التعامل مع البيانات والقرارات وعدم إصدارها قبل توقيعها وسريانها، وأن يعي الموظف والعضو أن المسؤولية تحتم عليه العمل على الحفاظ على الأسرار أيا كانت.