دول » السعودية

مجابهة الخطاب الطائفي

في 2015/11/02

أميرة كشغري- المدينة السعودية-

مجابهة الخطاب الطائفي من المثير للقلق والألم عودة مسلسل التفجيرات الإرهابية في المساجد متمثلاً في الحدث الإجرامي لتفجير مسجد المشهد في نجران والذي راح ضحيته مواطنون أبرياء ذنبهم الوحيد أنهم كانوا يؤدون الصلاة في مسجد مستهدف. هؤلاء المصلون وقعوا ضحية حزام ناسف يرتديه شاب أخرق غذي على الفكر الطائفي وشحن بالكراهية والعداوة ضد أبناء الوطن. ومن المفارقات الساخرة أن يتزامن هذا الحدث الإجرامي مع تداول لخطبة جمعة يدعو فيها الخطيب على طائفة بعبارات تجمع بين الخلط الخاطئ والطائفية البغيضة. ففي غمرة الحماسة اللاواعية أخذ ذلك الخطيب يدعو لنصرة «الأمة» ضد كل من يعتبرهم أعداء، لا يفرق بين دين ومذهب، ولا بين ماضٍ وحاضر. فكان أن جعل من خطبته تلك خطاباً يسهل تمريره على عقول البسطاء بما يكفي لأن يكون جرعة فتّاكة تحقن فكر الشباب.

إن مثل هذا الخطيب الذي يستغل العاطفة الدينية وتأخذه الحماسة لدرجة يصبح فيها تأجيج الطائفية بين أبناء الوطن الواحد جزءاً من خطابه وخطبته إنما يقوم - دون وعي ربما - بزرع بذرة الإرهاب الفكرية من خلال الخطاب المشحون بعبارات الازدراء ومشاعر الكراهية ضد من ينتمون لغير مذهبه مستغلاً المفردات الشرعية، كالجهاد والردة والإلحاد والنصرة، والتي يتم تسخيرها للتلاعب بعواطف الشباب وحماسهم والتأثير على العقول من خلال منظومة التكفيرات الفكرية وتطبيقها على أرض الواقع.

أمام مثل هذا النموذج من الخطاب الذي لا يحتمل تبريراً ولا تكفي فيه الإدانة، نحن أمام طريقين لا ثالث لهما: الأول هو مجابهة ذلك الفكر وإيقافه ومعاقبة من يصدر منه وإبعاده عن المنابر. والثاني هو السكوت على ما جاء في الخطاب الطائفي من تأجيج بحجة أنه جزء مما تعودنا سماعه ضاربين بعرض الحائط ما يتبعه من نتائج كارثية.

من يتبنى الخطاب الطائفي ومن يستمرئ التكفير ومن يهاجم كل من يختلف عنه فكراً، هؤلاء إنما يمهدون الطريق للتطرف الذي سوف يفضي حتماً إلى ممارسة الإرهاب العلني ضد الوطن في المساجد ودور العبادة ثم ضد منشآته وممتلكاته وأمنه واستقراره. ونحن إن شئنا أن نلتمس طريقاً يجنب الوطن وشبابه آفة الفكر الطائفي فلنلتمسه في تأسيس خطاب إنساني متسامح يعلي من قيمة الإنسان بغض النظر عن دينه ومذهبه. وإن أردنا أن نؤسس لعقول بشرية غير قابلة للبرمجة المذهبية والأحزمة الناسفة فلنعمد إلى خطابنا الديني لنجعله خطاباً إنسانياً وسطياً يعلي من قيم المحبة والتآخي بين البشر ويسعى لتعزيز قيم تقبل التعددية، ونشر التسامح، ورفض خطاب الكراهية، ومنع الحديث بطائفية وتصنيف الناس والحكم عليهم بالإيمان أو الكفر.