علاقات » اوروبي

الإرهاب واحد في برج البراجنة أو باريس... وجمهور مريض!

في 2015/11/16

جعفر الجمري- الوسط البحرينية-

«تويتر» في جانب منه، خزَّان عملاق لكشف وإخراج بعض البشر لعُقَدهم وجنونهم وطائفيتهم وعنصريتهم وأمزجتهم المنحرفة. خزَّان لإظهار ما ترسَّب من كبت من جهة يتم تفريغه في طبيعة التعليقات والردود على ملفات أكثر الذين يقفون وراءها لا يفقهون «ألفبائها»، هو وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، ومن جانب آخر، يظهر وينشِّط أيضاً ما تم تلقينه من فكر إقصائي تكفيري، منذ مراحل مبكرة من التعليم الأوَّلي، وصولاً إلى الدراسات العليا التي لا تجِبُّ ما قبلها من خرافة وسذاجة وتكييف للدِّين بحسب المصالح والمنافع، إلا ما رحم ربك.

واحد من الشواهد في هذا المقام، ردود الفعل على تفجيرات الضاحية الجنوبية من العاصمة اللبنانية (بيروت)، وتحديداً «برج البراجنة»؛ حيث «ارتفع» قبل أيام عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين، من بينهم نساء وأطفال وشيوخ وشباب؛ عدا الأضرار التي امتدَّت إلى أكثر من 50 بناية، وعشرات المحلات التجارية، وعشرات المركبات.

لم يقضِ الضحايا هناك على جبهات قتال في سورية أو العراق، أو على أي جبهة قتال استدرجت «داعش» دولاً وبشراً إليها. كانوا في مأمن في حدود أوطانهم.

ردود الفعل التي كشف عنها «تويتر» جاءت نقلاً - في بعضها - عن صحف خليجية، ومن بين الأسوأ منها على هيئة مقالة، فيما هي بيان من غرفة العمليات التابعة إلى «داعش» بلغتها وتشفيها وتحريضها، ذلك الذي نشرته إحدى الصحف الخليجية، قرر صاحبها في مقالته أن الذين قاموا بالتفجيرات الانتحارية الإرهابية في الضاحية الجنوبية من بيروت «جنود الحق من المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه»، لتنفيذ التفجيرات في منطقة خاضعة لسيطرة «حزب الله». لم يُشر بيان الدولة اللبنانية إلى ضحايا من الحزب. أشار إلى شهداء من المدنيين ممن كانوا في طريقهم إما إلى عنائهم الطويل أو إلى مرحهم النادر.

تلك عيِّنة واحدة، وإن كانت طاغية في صفاقتها وتطرُّفها، والصمت على ما جاء في محتوى المقالة، سيجد فيه الكاتب فرصة/ منْحة للتمادي مع غضِّ الأطراف الرسمية النظر عمّا أتاه. المقالة انتشرت في «تويتر» أكثر من التعليق عليها في الموقع الالكتروني للصحيفة حتى وقت كتابة هذه المقالة مساء السبت، وهو يوم نشرها، وللتوضيح، لم تحْظَ بتعليق واحد مع أو ضد.

في جانب من الفضاء المريض الذي يحتله بعض حسابات الجَهَلة والمرضى والمُعقَّدين؛ لم يكن الأمر رومانسياً، ولم يَرْجُ أحد أي تعاطف مع الشهداء من الجرحى وأسرهم في برج البراجنة، وذلك أضعف الخِسَّة؛ ليتجاوز الأمر بلوغ التشفِّي والشماتة والسُباب وطلب المزيد من العمليات. (السُباب طال الذين كان لهم موقف أخلاقي، ومن مذاهب ومشارب متعدِّدة).

على الجهة الأخرى من ممارسة «داعش»، ما حدث قبل أيام في العاصمة الفرنسية (باريس)، الدائرة العاشرة والحادية عشرة، من إطلاق نار وتفجيرات أوْدَت بحيوات أكثر من 130 قتيلاً وعشرات الجرحى، ضمن الحصيلة الأولية. في «تويتر» نفسه؛ حيث هو فضاء للتشفي والشماتة والسُباب، ذهبت الممارسة وردود الفعل في اتجاه نقيض: نعياً وتحسُّراً ولعناً لـ «داعش» نفسها التي بوركت أفعالها من قِبَل بعضهم في العراق ولبنان وسورية ومصر وليبيا، وصُبَّت اللعنات على المُموِّلين لها والمتعاطفين معها (صكُّ براءة لمن صبَّ اللعنات ونعى ولعن وتحسَّر).

التعاطف مع الشهداء والقتلى والجرحى الأبرياء صفة من طبيعة البشر، لا تحتاج إلى نفاق أو «فزعة» جاهلية على منصة متقدمة وحضارية كـ «تويتر» وغيرها من منصات الإعلام الجديد.

حين يتم فحص دم الضحايا لن تشير النتائج إلى مذاهبهم واعتقاداتهم ومنظوماتهم الفقهية. الدم دم. والجريمة تظل جريمة تحت أي مسمَّى جاءت أو ارتُكبتْ، أو أي عنوان تقدم من خلاله نفسها للبُلَهَاء والحمقى والموتورين من الأنصار والمتعاطفين مع مرتكبها.

الدم الذي يسفك في باريس بشريعة الفوضى والفهم الظلامي والتبريري النفعي للدِّين يظل دماً حراماً عند الله، مثله مثل الدم الذي أريق في برج البراجنة وسيناء وعدن وصنعاء والرياض والدمام والمنطقة الشرقية من حدود المملكة العربية السعودية والكويت والجزائر والصومال وأفغانستان وباكستان وكل بقاع الدنيا. والفكر والفقه المريضان اللذان يفترضان أحلِّية قتل الأبرياء ومن بينهم الأطفال كي يُقطع دابرهم ولا يشبُّوا، ولا يقوى عُودهم لمحاربة «أهل الحق» بشكل حصري ووقف عليهم! يكشف عن مرض مُركَّب، وخطر يهدِّد الجنس البشري في وجوده، ويقدِّم صورة دموية بتخريجات فقهية لا أصل لها من عقل أو دِين، ولا تنسجم حتى مع شرْعة البشر من حيث هم بشر بمداركهم ومشاعرهم وفطرتهم.

الدم الذي أريق دم يكشف عن حجم الوحشية والبهيمية التي يقف وراءها المنفِّذون للأعمال الجبَانة، ويكشف في الوقت نفسه عن بهيمية المتعاطفين مع تلك الأعمال في مكان، والمستنكرين والمُندِّدين بها في مكان آخر!

الإرهاب لا خريطة عقلية له، ولا مسار من أخلاق وضمير ينتهجه؛ وليس الدِّين وحده الذي لا يعرفه الإرهاب.

وعلينا أن ندرك جميعاً، حكومات وشعوباً، أنه كلما تم تضييق الخناق على الورم السرطاني الذي ينهش أنسجة وحيوية العالم (داعش) في كل من سورية والعراق ومصر وليبيا واليمن والصومال وأفغانستان ونيجيريا، سيكشف عن يأسه وانهياره بمزيد من العمليات الإرهابية في البلدان التي يمكن أن تصل إليها أحزمته الناسفة، وبلداننا ليست استثناء من ذلك.

يظل الإرهاب واحداً في برج البراجنة أو باريس... ويظل الجمهور المريض جزءاً من منتسبي ذلك الاٍرهاب بالدعم أياً كان شكله على الفضاء الافتراضي أو الواقعي!