اقتصاد » احصاءات

وهل يُقامر بثروات البلاد لولا أن السويلم يعرف ربعه

في 2015/12/05

د. حمزة السالم- الجزيرة السعودية-

وقع في يدي مصادفة نسخة من الفايننشيل تايمز الصادرة في 21 سبتمبر 2015 وفيها تقرير عن الصناديق السيادية. وقد نقل التقرير عن دراسة الدكتور خالد السويلم الذي نسبها لهارفرد نسبة غير صحيحة كما بينت في مقال سابق بعنوان «من وراء تحريفات السويلم المضللة للشارع السعودي؟».

والذي دفعني للحديث اليوم، أنه وقع اليوم في يدي مصادفة، مقابلة في رويترز النسخة البريطانية صدرت في 12 أغسطس، نقلت عن د. السويلم عبارة «to feed into a growing debate about fiscal management among the kingdom›s policymakers.

وتعني أنه أراد ببحثه الهارفردي التأثير على صنّاع القرار عندنا. وذكرت صحيفة التلقرام البريطانية 5 أغسطس تقريراً ذكر كاتبه بأن بحث السويلم قد خلق عاصفة في الرياض. فلزمتني مسئولية التبيين الحسابي الفني.

لذا فقد قمت بإعادة حسابات السويلم كما نقلت نتائجها الفايننشيل تايمز مختزلة ملخصة، فهي آخر من نقل وأوثق وآخر قول للسويلم (وإلا في الاقتصادية السعودية له قول أعظم من ذلك). ولأن الفايننشيل تايمز هي التي أرى وجوب محاكمتها، وأنا أتكفل بها وبهندسة الدعوى ضدها.

نقلت الفايننشيل تايمز أن حسابات د. السويلم قامت على أساس أن السعودية كانت تملك 300 مليار كاحتياطيات أجنبية عام 2005. وأن السويلم جعل في نموذجه الهارفردي 100 مليار في استثمار سهل التسييل بعائد 5%، يكون غرضه كصندوق استقرار واقٍ لتذبذبات الميزانية بسبب تغير سعر النفط. ثم لو أن السعودية ادّخرت 20% من ريع بترولها سنوياً ووضعته في صندوق استثماري غير سهل التسييل استهلته في ذاك العام بـ الـ200 مليار الباقية من الـ 300، لكان أتى بعوائد 8% سنوياً ولبلغت الثلاثمائة مليار بعد عشر سنوات 1800 مليار بدلاً من 750 ملياراً التي بلغها حقيقة.

وكعادتي في أي نقاش، أستخدم حجة الآخر وشواهده لأرد عليه، فسأعتمد فرضيات د. السويلم دائماً. كما سأستخدم معطياته المحرفة في المرة الأولى، لبيان خطأ نتيجته رغم تحريف مدخلاتها.كما سأستخدم في المرة الأخرى المعطيات الحقيقية ولكن مع الالتزام بفرضياته ونموذجه لأبين بأننا أحسن حالاً من النرويج.

فأولاً: سأعتمد الـ 300 مليار بأنها كانت هي قيمة احتياطياتنا في عام 2005 رغم أنها كانت 150 مليار دولار وليس 300 مليار كما هو مثبت في المراجع الرسمية التي اعتمدها السويلم في بحثه ونقل عنها. فلو افترضنا أنها 300 مليار كما حرّف السويلم وطبقنا نموذج السويلم حرفياً، فوضعنا 100 مليار في استثمار لعشر سنوات بعائد اسمي 5% سنوياً لا نأخذ منه شيئاً، ووضعنا 200 مليار في استثمار يأتي بعائد اسمي 8% سنوياً، ثم غذينا الأخير بـ 20% من جميع دخل الدولة سنوياً وليس دخل البترول فقط ولم نأخذ منها شيئاً لكان الناتج هو 1.2 تريليون وليس كما قال السويلم 1.8 تريليون.

(وأعتقد أنه أخطأ وجماعته الهارفردية فحسبوا الادخارات السنوية كلها تستثمر على عشر سنوات، لا أن التغذية سنوية تأتي كل سنة، فأول تغذية ستستثمر تسع سنوات والأخيرة لمدة سنة فقط).

وثانياً: لو اعتمدنا البداية الصحيحة وهي 150 ملياراً التي كانت تشكّل الاحتياطيات عام 2005 وأجرينا نفس الحسابات بنفس فرضيات العوائد ونموذج السويلم بعدم السحب مطلقاً، لبلغت 931.5 مليار دولار فقط لا 1800 مليار. أي نصف ما يروّجه د. السويلم.

ثالثاً: وإذا صححنا الخطأ فألغينا احتمالية نفخ الأرقام وذلك أن نعتمد ادخار 20% من دخل الدولة البترولي فقط، لا من الدخل جميعه، لبلغت الاحتياطيات جميعها عام 2004 مبلغ 865.5 مليار دولار.

رابعاً: إذا اتبعنا النموذج بافتراض تطبيقه حقيقة، فيجب علينا أن نستثني صندوق الاستقرار الأول الذي وضع فيه الثلث حسب نموذج السويلم أي 50 ملياراً، لبلغَ صندوقنا السيادي حينها 783.9 مليار في عام 2004. أي تقريباً المبلغ الذي كان عليه في 2004. (والنفخ المحتمل لأن عوائد الاحتياطيات تحسب سنوياً على ما أعتقد ضمن دخل الدولة غير البترولي، والحسابات السابقة حسبتها كاملة في الصندوق ثم حسبتها مكررة بنسبة 20% كادخار من جميع دخل الدولة لكي ألتزم بنص التايمز).

والآن بعد أن بيّنا أن احتياطياتنا لم تُضيّع أكثر من تريليون، باتباع نموذج السويلم حرفياً، بل إنها جاءت على أحسن من النتيجة التي يطالب بها. وهذه النتيجة محسوبة من أرقام الاحتياط ومن الميزانية، فلا يزعم أحد أنها ملفقة، وهي التي اعتمدها السويلم ويعتمدها غيره وهي منشورة ليست سرية. اللهم إننا لا نستطيع التمييز بدقة أيهما السبب في التميُّز، العوائد أم الادخار. ولكن لا مجال للشك بأننا نحن بمجموع الاحتياطيات والميزانيات، على نموذج السويلم، أكثر ادخاراً من النرويج وأفضل عوائد لاستثماراتنا.

وهذا يشهد له أن السعودية الرابعة في الادخار على مستوى العالم على ما أذكر، بينما النرويج لا تذكر أصلاً في قائمة الدول المدّخرة، بل هي مدينة.

وأخيراً: فإنه لا يُوافق السويلم على صحة افتراض 8% كعوائد اسمية سنوية. فالصندوق السيادي النرويجي حسب تقريره الرسمي بلغت عوائده للعشر السنوات 2005-2014 وقبل اقتطاع الأجور 6.17% فكيف بعد اقتطاع الأجور والإدارة وهي تتراوح عادة بين 1.5% -2.5%.

فلا يزايد السويلم ومن ورائه على نية الإصلاح ويراهن على ثروات البلاد مقامراً بها، ويطلق بحوثه المحرّفة وبالأرقام الخيالية في العوائد، ثم وبالرغم من هذا تأتي نتائجه خاطئة في الحسابات. ثم يعتقد أن نسبتها بالتدليس لهارفرد يجعلها حقيقة، ليقنع صنّاع القرار بها. فيأتي معانداً بها أمام الإعلام الخارجي مراهناً على ضعف مجتمعنا الاقتصادي والمالي مهنياً وعلمياً وأكاديمياً وإعلامياً، مطمئناً أنهم لن يكشفوا تحريف بحوثه وتزييفها. فكما ذكر في مقابلته في رويتز - أنه ترك عمله في المؤسسة الذي قال إنه كان يدير استثماراتها عام 2012- لأنه أراد الإصلاح فقاوموه.

وهو وإن كان صحيحاً أنه في بلادنا كلها، يُقاوم المُصلح ويتهم ويبعد، ولا يلزم أن تكون المقاومة والإبعاد من فاسد، بل إن أكثره يأتي من حسد مجرد ولو من مُتعبد ويأتي من جاهل مركب وحريص منصب مغفل ولو كان زاهداً. وكذلك فإنه من الحق القول بأن الإصلاح كذلك، دعوى يدّعيها كل أحد، الفاسد والعابد والجاهل المركب، والمعاند بالإثم.