دول » البحرين

زينة العيد الوطني... و«ديون الديون»

في 2015/12/12

هاني الفردان- الوسط البحرينية-

لم يكن «سراً» ولم يعد الأمر «محظوراً» ولا «ممنوعاً» الحديث عن اختفاء زينة العيد الوطني من الشوارع البحرينية، فمنذ أن وعينا على الدنيا، واحتفالات العيد الوطني سمة من سمات شهر ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، بالمصابيح الملونة والأعلام والكرنفالات والألعاب النارية وغيرها، ولم تتوقف في أحلك الظروف.

سيسجل التاريخ أن العام 2015، كان العام الأول في تاريخ البحرين (ما بعد الاستقلال) تختفي فيه مظاهر زينة العيد الوطني، إذ أصبح الجميع يعرف السبب، حتى أنه تم تناوله على شاشة تلفزيون البحرين أيضاً.

إنها سياسة «التقشف» التي تنفذها مختلف وزارات وهيئات الدولة وعلى رأسها وزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني، التي أصدرت تعميماً واضحاً لمدراء البلديات الثلاث وأمانة العاصمة، بعدم القيام بتنفيذ أي أعمال تُعنى بمظاهر الزينة لاحتفالات البحرين بالعيد الوطني المجيد.

يقال إن كل بلدية كانت تنفق على تزيين الشوارع أكثر من 20 ألف دينار، أي أن مجموع ما أنفقته البلديات الخمس من قبل (قبل إلغاء بلدية الوسطى) أكثر من 100 ألف دينار فقط للزينة.

وزارة الأشغال وشئون البلديات وجّهت «شفهياً» إلى الاكتفاء بتركيب أعلام البحرين فقط بالشوارع الرئيسية، فيما يُمنَع وضع لافتات وإعلانات التهنئة الكبيرة في الشوارع العامة كما كل عام.

الكل يعلم أن أزمة مالية حقيقية تعيشها البحرين، في ظل أزمة تراجع أسعار النفط، وهبوطها إلى مستويات تشكّل تهديداً حقيقياً للوضع المالي في البحرين، حتى ذهبت الحكومة إلى التأكيد على حتمية وضرورة الاستمرار في سياسة الاقتراض وزيادة الدين العام لإنقاذ الموازنة من العجز، وهو ما أجبر النواب على الموافقة على رفع الدين العام إلى 10 مليارات دينار.

سعر برميل النفط في تراجع مستمر، ووصل إلى ما دون 36 دولارا للبرميل، وهو رقم خطير جداً، تعي الجهات الرسمية خطورته وآثاره، وما سيترتب عليه من توقف الكثير من المشاريع، بل قد يصل للعجز حتى عن الاستمرار في تقديم المساعدات الاجتماعية، قبل أن يطال الأمر الأجور.

وزارة المالية أعلنتها صراحة أن الدين العام تخطى حتى الآن حاجز الـ 6 مليارات دينار، وأنها اقترضت فعليا لحد 30 سبتمبر/ أيلول 2015، ما مجموعه 6055 مليون دينار، وأنه لم يتبق من سقف الاقتراض المسموح به وفق المرسوم بقانون الذي يحدد سقف الاقتراض بـ7 مليارات، إلا 945 مليونا فقط، وهي تريد ان يفتح لها باب الاقتراض على مصراعيه.

لماذا الوضع المالي سيئ؟ ولماذا الأزمة المالية تسير في نفق مظلم؟ ولماذا لا توجد حتى الآن حلول حقيقة مطروحة يمكنها أن تنتشل البلاد من هذا الوضع؟

باختصار شديد، الأجوبة عن تلك الأسئلة تكمن في أن الجهات الرسمية تقترض ليس لسد العجز في الموازنة وتقليص الدين العام فقط، بل هي تقترض لتسديد ما يعرف بـ «ديون الديون».

الحكومة تريد سقفاً مفتوحاً؛ تقترض كيفما تشاء، وترفع الدين العام متى ما تريد، دون حسيب أو رقيب، ومن سيسأل سيقولون له «لا تسأل».

الحكومة ستقترض مجدداً من أجل تسديد القروض المترتبة عليها، وفق ما يعرف اقتصادياً بـ «تسديد الديون بالديون»، مشيرة إلى أنه من ضمن الموارد التي ستقترض من أجلها 3 مليارات دينار، تسديد ديون تبلغ 862 مليوناً، منها 379 مليون دينار ستدفعه في العام 2016 و483 مليوناً في العام 2017، أي أن الحكومة ستقترض 390 مليون دينار في العام 2017 من أجل فوائد الدين العام المترتبة عليها بسبب القروض التي تقترضها!

حتى هذه اللحظة لا تمتلك الحكومة رؤية واضحة وجدولة زمنية لوقف تفاقم الدين العام، كل ما لديها هو فتح السقف أمامها لتقترض أكثر وأكثر، أضف إلى ذلك فهي لا تؤيد وجود قانون ينظم عملية الاقتراض والدين العام، ويضع لها ضوابط واضحة وشفافة تحدد آليات الاقتراض والجهات المستفيدة من ذلك، كما لا تريد الإفصاح عن الجهات المستفيدة من الاقتراض، وكل ما تقوله أنه «ضمن الأطر الدستورية» لتبقى تلك الجهات حتى هذه اللحظة «سرية».

رفع الدعم عن السلع الأساسية كان بداية، وفرض ضرائب لن يكون النهاية، وحتى التقشف الرسمي العلني لن ينتهي لنتيجة حقيقية ما لم تكن هنالك رؤية واضحة وجدولة زمنية بعيداً عن الأسقف المفتوحة، ومحاسبة حقيقية، قبل أن نصل لمرحلة العجز حتى عن تسديد «ديون الديون».