دول » السعودية

ماذا حققت السعودية بعد عام من حكم الملك "سلمان"؟

في 2016/01/15

شؤون خليجية-

على مدار العام الأول من حكم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، انتهجت المملكة العربية السعودية سياسة خارجية جديدة تقوم على مبدأ المبادرة وليس رد الفعل، ومحاولة لم الشمل العربي، وتدشين التحالف الإسلامي، والتعاون بين الدول السنية المركزية بطابع جديد ذي بعد استراتيجي شامل وعسكري، وبخاصة التقارب السعودي التركي القطري، واستطاعت تحقيق تحول نوعي في مواجهة المشروع الإيراني التوسعي، وتحجيم نفوذه عبر عاصفة الحزم باليمن وسلاح النفط وقطع العلاقات، وهو ما أكد استقلالية القرار السعودي بالاعتماد على الذات بعيدًا عن الفلك الأمريكي.

وبعد عام من حكم الملك سلمان، ما زالت الرياض تواجه تحديات كبيرة بالملف اليمني والسوري، وتعثر مسار الحل السياسي، واستمرار محاولة الحسم العسكري. فبينما نجحت في إنهاك الحوثيين وإفشال المخطط الإيراني لابتلاع صنعاء، بعد 10 أشهر على انطلاق العمليات العسكرية، وإخراج الحوثيين من المحافظات الجنوبية وعلى رأسها عدن، بقيت العاصمة صنعاء في قبضة الحوثيين، مع تأجيل المفاوضات.

واستطاعت الرياض تدعيم المعارضة السورية وتوحيدها، وإنشاء هيئة عليا موحدة للتفاوض، إلا أن التدخل الروسي العسكري عقد الأزمتين، ومثل تهديدًا مزدوجًا مع تشكل المحور "الروسي- الإيراني- العراقي- السوري".

وفي الوقت الذي شهدت السياسة الخارجية السعودية في مجملها تطورات إيجابية، عانت المملكة من أزمات داخلية، أهمها تراجع أسعار النفط وعجز الميزانية وتقليص الدعم، كذلك لم يشهد ملف الإصلاح السياسي والدستوري وحقوق الإنسان الانفراجة المرتقبة، وبخاصة ملف الإفراج عن المعتقلين السياسيين والمعارضة.

سياسة المواجهة المباشرة

رصد الكاتب مروان قبلان، تغيرات السياسة الخارجية السعودية، في مقاله " التوتر السعودي – الإيراني والعامل الأميركي" في 11 يناير 2016 بصحيفة العربي الجديد، قائلًا: "إنه بعد سقوط صنعاء، شعرت السعودية أن إيران أطبقت عليها الحصار، ففي الشمال، تتحكم طهران بالقرار في دمشق وبغداد وبيروت، كما غدت تحكم صنعاء في الجنوب، وتستمر في محاولات السيطرة على البحرين، وزعزعة استقرار بقية دول الخليج (خلية حزب الله في الكويت مثلاً)..السعودية باتت غير واثقة من توجهات الحليف المصري، ومناوراته السياسية بين موسكو وطهران وبغداد ودمشق وصنعاء، في وقتٍ بدأت فيه الولايات المتحدة تنتقل من دور الحليف إلى دور الوسيط الموازن في العلاقة بين طهران والرياض، وصار على السعودية، أن تتحمل القسط الأكبر من أعباء الدفاع عن أمنها ومصالحها، لأن الحليف الأميركي ما عاد في وارد القيام بذلك، إلا إذا تعرّضت مصالحه هو للخطر".

قيادة أكثر حزمًا

ورأى "قبلان" أن السعودية قررت، وقد تولت أمورها قيادة جديدة أكثر حزماً، أن تنتقل نحو سياسة هجوميةٍ، لا تتردد في استخدام القوة والتدخل العسكري المباشر، فأطلقت عاصفة الحزم في اليمن، وانتزعت السودان من يد إيران، وانخرطت في اللعبة السياسية في العراق، فاستقبلت رئيس حكومة إقليم كردستان، مسعود البرزاني، وأرسلت سفيراً إلى بغداد، وتخلت عن تحفظاتها على فصائل المعارضة الإسلامية في سوريا، فدعت أكثرها إلى مؤتمر الرياض، وذهبت باتجاه تعاون استراتيجي مع تركيا، متجاهلة المواقف الأميركية من أكثر هذه القضايا، السعودية لم يكن أمامها من خيار آخر غير ترتيب أوراقها، والانتقال من سياسة الإحجام إلى سياسة المواجهة المباشرة".

استعداد لكل الاحتمالات

وتابع "قبلان": "وما قضية المعارض السعودي، نمر النمر، وكل التباساتها والمواقف منها، إلا تفصيل صغير في مواجهةٍ غدت شاملة ومفتوحة بين السعودية وإيران على امتداد الإقليم. وقرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران رسالة بأنه لم يعد ممكناً السكوت على السلوك الإيراني، بعد أن وصل "السكين إلى العظم"، وأن السعودية غدت مستعدة لكل الاحتمالات، بما فيها احتمال المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران، ولولا تغير السياسة الأميركية لبقيت السعودية معتمدة على الحماية الخارجية، ولما اضطرت إلى تبني سياسةٍ خارجيةٍ وأمنيةٍ أكثر استقلالاً، تراعي مصالحها هي، قبل أي شيء آخر"، بحسب الكاتب.

ورغم تهديد السعودية باتخاذ إجراءات إضافية ضد إيران، إلا أن وزير الدفاع محمد بن سلمان، نفى في حوار مع مجلة "إيكونوميست" البريطانية، احتمال الدخول في حرب مع إيران.

تحالف إسلامي عسكري

لأول مرة أعلنت الرياض عن تشكيل تحالف عربي إسلامي ذي طابع عسكري يضم 34 دولة في منتصف ديسمبر الماضي، لمحاربة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة، وتكون الرياض مقراً دائماً لغرفة عملياته، تشارك دول مركزية تمثل عموده الفقري مثل تركيا، باكستان ومصر.

تتصاعد مؤشرات قرب اكتمال وإعلان التحالف الخليجي "القطري- السعودي- التركي"، والحلف "السعودي - التركي"، فتركيا والسعودية ستعملان في إطار "التحالف الإسلامي العسكري"، و"مجلس التعاون الاستراتيجي" المرتقب أحد ثمار زيارة أردوغان الأخيرة للرياض، إلا أن هناك محاولات (إيرانية - روسية) لإنهاكهما وشغلهما بقضايا داخلية وحدودية لتهميش دورهما بالملف السوري والمصري، وغيرها من الملفات المصيرية.

وتقود الرياض ملف المصالحات البينية بين تركيا وقطر ومصر والإمارات، وبين الفصائل الفلسطينية، وسط مؤشرات إيجابية.

الإعلان الخليجي في قمة الرياض أيضاً جاء بتبني رؤية شاملة تقدم بها الملك سلمان للتكامل الخليجي، مع الالتزام بتنفيذها خلال ترؤس السعودية للدورة الحالية.

تحولات الداخل

بدأ عهد "سلمان" بقرارات ملكية ضخت دماء شابة في مناصب قيادية، تمثلت في إعادة تشكيل القيادة التي شهدت تبوء أحفاد المؤسس الملك عبدالعزيز للمرة الأولى مناصب مهمة في هرم الدولة، متمثلة بتعيين الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد، والأمير محمد بن سلمان ولياً لولي العهد.

داخليًا أصبح المواطن محور التنمية مع تطوير خدمات الإسكان والتعليم والصحة، وتم إلغاء 12 جهازاً ومجلساً حكومياً، واستبدالها باستحداث مجلسي الشؤون السياسية والأمنية والشؤون الاقتصادية والتنمية.

أصبحت المرأة السعودية، خلال عام 2015، ناخبة ومرشحة للمرة الأولى، ويعد هذا حدثًا تاريخيًا في بلد محافظ مثل السعودية.

نهاية عام 2015، وجدت السعودية نفسها أمام عجز قياسي بلغ 98 مليار دولار، في ظل الانخفاض الكبير في أسعار النفط منذ منتصف 2014، مما اضطرها لحزمة إجراءات تقشفية.

الملف الحقوقي

جاءت تطورات الملف الحقوقي بعهد الملك "سلمان" أقل من توقعات المراقبين، حيث عبرت "منظمة العفو الدولية"، عن أسفها لعدم اتخاذ الملك سلمان إجراءات لتحسين "السجل المخيف" في مجال حقوق الإنسان في السعودية.

ونددت المنظمة في بيان لها بعدم حصول تقدم في مجال حقوق الإنسان، ورأت أن فرص تقدم حقوق الإنسان في المملكة غير مبشّرة على الإطلاق، فحسب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة فيليب لوثر، فإن الملك سلمان بدلاً من اتخاذ إجراءات لتحسين السجل المخيف للسعودية في مجال حقوق الإنسان، تولى حملة قمع مستمرة للمعارضين للحكومة وللناشطين السلميين، كما تميزت الأشهر الأولى من حكمه بموجة غير مسبوقة من الإعدامات.

وبدوره أعرب الائتلاف العالمي للحريات والحقوق في تقريره الأول حول أوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية، عن أسفه الشديد لما يتعرض له المدافعون عن حقوق الإنسان في السعودية، من انتهاكات وتجاوزات تهدد سلامتهم وسلامة أسرهم.

وبحسب الائتلاف العالمي، كانت قوانين الإرهاب والقوانين المنظمة لحرية الرأي والتعبير وتكوين الجمعيات الأكبر في شرعنة الانتهاكات، التي ترتكبها السلطات السعودية بحق النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، والمطالبين بالتغييرات والإصلاحات السياسية في المملكة، عن طريق غلق الجمعيات والدواوين السياسية والدينية، والزج بالنشطاء في السجون في محاولة لقمع مطالباتهم بالحرية والإصلاح السياسي في المملكة.

وأفادت منظمة العفو الدولية أن عمليات التوقيف بحق النشطاء والكتاب لا تتوقف في المملكة العربية السعودية، معربة عن انتقادها الشديد لاعتقال الدكتور والكاتب السعودي زهير كتبي، على خلفية اتهامه بانتقاد مؤسسة العرش في المملكة، وتأكيده في أكثر من حوار صحفي بأنها لا ترغب بالإصلاح، وأن كل ما تطلقه القيادة السياسية السعودية إنما هي شعارات للاستهلاك الإعلامي.