ثقافة » نشاطات

الصراع السعودي - الإيراني مرشح للاستمرار

في 2016/01/20

الراية القطرية-

توقع عددٌ من السياسيين والباحثين والأكاديميين والمهتمين بالعلاقات الدولية وقضايا المنطقة استمرار التوتر الحالي في العلاقات السعودية - الإيرانية لفترة طويلة، مع احتمالات ضعيفة للتصعيد أو عودة العلاقات إلى وضع طبيعي.. مرجعين السبب وراء هذا التوتر لمحاولات الهيمنة والتوسع الإيراني وتدخلاتها في الشؤون الداخلية لجيرانها، مع قرار سعودي تحت قيادة الملك سلمان بن عبد العزيز بالمضي قدماً نحو وضع حدٍ لتوسّعها الإقليمي.

ووصف السياسيون والباحثون هذا الصراع بأنه جيوسياسي وليس مذهبياً، مشيرين إلى أن الطابع المذهبي الطائفي يشكل خلفية له، لكن الصراع في أساسه صراعٌ جيوسياسي على النفوذ يستخدم الطائفية أداةً له.

وأشاروا إلى أن العلاقات السعودية الإيرانية شهدت خلال الحرب الباردة حالة من الاستقرار والتعاون، حيث كان هناك شعور مشترك بمخاطر الاتحاد السوفييتي على المنطقة، ومع ذلك كانت أعين إيران ترنو للسواحل الشرقية لشبه الجزيرة العربية، حيث سارعت إيران بعد انسحاب بريطانيا من المنطقة أواخر ستينيات القرن الماضي باحتلال ثلاث جزر إماراتية.

جاء ذلك خلال ندوة نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بمشاركة نخبة من الباحثين والمختصين في الشأنين الإيراني والعربي والمهتمين بالعلاقات الدولية في المنطقة.

ودعا المشاركون بالندوة إلى ضرورة اتخاذ كافة الأطراف الحوار سبيلاً لتجنيب المنطقة المزيد من الاضطراب السياسي والذي تجلى بشكل لافت عقب الاعتداءات على السفارة السعودية وقنصليتها في إيران، الأمر الذي ترتب عليه إعلان المملكة قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، لتنضمّ إليها البحرين.

ففي الجلسة الأولى من الندوة بعنوان "أسباب الأزمة وتداعياتها"؛ تحدث الدكتور عبدالعزيز بن صقر عن تطوّر الأحداث على نحو أضاف توتراً جديداً في العلاقات بين السعودية وإيران، مشدداً على أنّ الحملة الإيرانية ضد السعودية ليست بسبب مساعدة السعودية أو اليمن أو إعدام نمر النمر، وإنما لأنّ إيران تنفذ مخططاً إستراتيجياً للهيمنة في المنطقة والتدخل في شؤون دول الجوار وإثارة القلاقل فيها. وقال إنّ تحرك السعودية لوقف امتداد نفوذ إيران إلى حدودها الجنوبية عبر ميليشيا الحوثيين في اليمن جاء رغبة منها في تفادي الوقوع في الخطأ الإستراتيجي بترك العراق يقع تحت النفوذ الإيراني، فأفسحت المجال أمام إيران لمحاصرتها من حدودها الشمالية.

وشخّص المتحدث أركان الصراع في العلاقة بين السعودية وإيران في أربعة عوامل؛ أولها البعد العقدي الذي ترى السعودية في نطاقه نفسها مركزاً للعالم الإسلامي في حين ترى إيران أنّ للعالم الإسلامي جناحين تمثل هي المركز الشيعي فيهما، والثاني، طبيعة نظام الحكم المتناقضة بين الجهتين: نظام ملكي في السعودية وجمهورية إسلامية في إيران وما يثيره الخطاب المضادّ من الجهتين من توتر، والثالث، اختلاف السياسة النفطية بين منتجين كبيرين تختلف نظرتهما للسوق والأسعار واستخدامات النفط غير الاقتصادية، بينما الرابع هو أمن الخليج الذي تعتمد السعودية ودول الخليج الأخرى على الدعم الأجنبي والأمريكي خصوصاً في تأمينه، فيما ترى إيران أنها القوة الكفيلة بضمان أمن الخليج.

وأكّد أنّ العلاقة بين السعودية وإيران ليست صراعاً مذهبياً، فهناك حقيقة الجغرافيا وإلزامية التعايش بين الجيران، ومصالح متبادلة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، لكن يجب على إيران أن تستوعب هذه المصالح أيضاً.. لافتاً إلى أنّ إيران لا تشكل تهديداً عسكرياً للسعودية ودول الخليج، لكنها تهديد مخابراتي بالتغلغل عبر أذرعها وميليشياتها لإثارة القلاقل في هذه الدول.

كما رأى الدكتور عبد الوهاب الأفندي رئيس برنامج العلوم السياسية في معهد الدوحة للدراسات العليا، أنّ المسألة تتجاوز تبسيط الصراع إلى أزمة سعودية - إيرانية، فالأمر يتعلق بزلزال عالمي يمثل العالم العربي مركزه ولكن تردداته واسعة جداً. وقال إن هناك تحركاً جيوستراتيجياً لا يضم إيران وحدها، بل كل القوى التي لها أجندات ضد المصالح العربية، بما في ذلك روسيا التي تخوض من خلال تدخلها في سوريا والمنطقة معركتها الرئيسة لهزيمة الغرب.

وأضاف إنّ إيران حوّلت الطائفية إلى "سلاح دولة" تستخدمه في صراعها مع السعودية في مخططاتها الإقليمية. وتأسّف لمحاربة السعودية ودول عربية أخرى القوى السنية المعتدلة التي يمكن أن تساهم على المستوى الشعبي في مواجهة الطائفية الإيرانية وكبح أذرعها الداخلية، وأنّ هذا الخطأ جعل المعسكر العربي "منزوع السلاح" في مواجهة "سلاح الدولة" الطائفي في يد إيران.

ودعا إلى ضرورة اتخاذ السعودية ودول الخليج خطوة سريعة لدفع النظام المصري إلى فتح قنوات الحوار وتطبيع الوضع الداخلي؛ لأن استعادة مصر هي إحدى أبرز أوراق المعسكر العربي في مواجهة طائفية إيران.

وأكّد عبدالله الشمري على التأثير الحاسم للنهج الذي جاء به الملك سلمان بن عبد العزيز الذي أعاد للسعودية بعدها الأيديولوجي في مواجهة المشروع الإيراني التوسعي القائم على أيديولوجيا طائفية. وأشار إلى أنّ الملك سلمان، ومنذ اليوم الأول لتسلمه الحكم، أوضح أنّ مواجهة المشروع الإيراني والعمل على إيقاف تمدّده هو أولى أولوياته، ويظهر ذلك من خلال تعزيز دور المؤسسة الدينية السعودية وإعادة الاعتبار السياسي والديني لها، وتحسين العلاقات مع التيارات الإسلامية كافة خارج المملكة، ثم الانتقال إلى مواجهة المشروع الإيراني، وصولاً إلى إطلاق "عاصفة الحزم" التي حظيت بتزكية دينية ودعم قوي من مفتي عام المملكة وجميع رموز المؤسسة الدينية المحافظة.

واعتبر أن الأزمة في العلاقات السعودية - الإيرانية مفتوحة أمام ثلاثة سيناريوهات، أولها التصعيد، وعلى الرغم من إمكانيته، فإن احتمالاته ضعيفة، وثانيها التجميد والإبقاء على هذا التوتر من دون تصعيد أو حلّ، وهو الاحتمال المرجح، والثالث الاستعادة وإنهاء التوتر القائم، وهو الأمر الذي يستبعده لأنه يستدعي وجود وساطة قوية غير متوافرة الآن، وحتى مع وجودها، فإنّ إعادة العلاقات إلى وضع ما قبل يناير 2016 (تاريخ إعلان السعودية قطع العلاقات مع إيران) سيستغرق زمناً طويلاً.

بينما قالت الدكتورة فاطمة الصمادي في ورقتها بعنوان "الداخل الإيراني .. من يمسك بخيوط العلاقة الإيرانية - السعودية"، إنها تكاد تجزم بأنّ ملف العلاقات مع السعودية لم يعد ملفاً دبلوماسياً في طهران، بل هو "ملف أمني" انتقل مركز القرار فيه إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله خامنئي ودائرته الضيقة بمن فيها الحرس الثوري، وأنّ الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف لا يؤديان فيه غير دور سياسي محدود.

وأشارت إلى استغلال إيران العديد من النقاط في حملتها ضد السعودية، خصوصاً فيما يتعلق بالغرب، وذلك عبر الترويج لفشل سياستها الإقليمية وعجزها عن إدارة الملفات الإقليمية، واتهامها بدعم الإرهاب ورفض الحلّ السياسي في اليمن وسوريا.

وقد عقب الدكتور سلطان بركات على هذا الصراع بالقول: يجب وضع إستراتيجية خليجية إيرانية مشتركة لحل الإشكال، خاصة في هذا الوقت الذي بدأت أمريكا تكتفي ذاتياً بالنفط وتراجع موقفها كحارس للمنطقة، الأمر الذي فتح الباب أمام قوى أخرى للتدخل. داعياً إلى ضرورة التراجع عن العمل بمبدأ الطائفية. وأبدى قناعة بأن رفع العقوبات عن إيران ربما يؤدي إلى تغيير في طبيعة الدولة وتفويت الفرصة على حكومة الظل الإيرانية كي لا تكون هناك فرصة لحرب سنية شيعية، كما دعا إلى الاستفادة من القيادة السعودية على أنها تمثل كل المسلمين وأن يكون موسم الحج للحوار البنّاء.

واضاف  الدكتور خليل جهشان مدير فرع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في واشنطن قائلا  إنّ المسؤولين الأمريكيين أبدوا تخوفهم في ردهم على التصعيد السريع في الخلافات السياسية بين الرياض وطهران، وعبّروا عن مفاجأتهم وقلقهم الحذر تجاه قطع السعودية لعلاقاتها مع إيران.

وأعرب عن اعتقاده بأن الأزمة في العلاقات السعودية - الإيرانية تعدّ تعقيداً وتحدياً إضافياً للعلاقات الثنائية بين الرياض وواشنطن قد يكون له أبعاد سلبية وطويلة الأمد إذا لم يتم تداركها على نحو فوري وحاسم.

وتكمن خطورة هذه الأزمة في توقيتها أكثر من فحواها؛ لأنها تتزامن مع الحرب المستمرة وغير المحسومة في اليمن، ومع المرحلة الهشة التي تمر بها الحرب المعلنة ضد الإرهاب الدولي وتأثير ذلك في الوضع في سوريا والجهد المبذول حالياً للتوصل إلى حلّ سياسي للأزمة هناك.

كما تناولت الجلسة الثانية قراءة التوتر في العلاقات السعودية - الإيرانية من الداخل الإيراني، حيث تحدث الدكتور محجوب الزويري المتخصص في الدراسات الإيرانية عن التصور الإيراني الرسمي الذي تتبناه النخبة السياسية الإيرانية عن المملكة العربية السعودية والذي يؤطره بعدان : أولهما، أن السعودية دولة وهابية سلفية، وثانيهما أنها تعتمد في أمنها واستقرارها على النفط وحماية الولايات المتحدة الأمريكية، ومن هذا التصور تنبع كل سياسات إيران تجاه السعودية، وحتى النخبة السياسية الإيرانية، تنظر إلى السياسة السعودية على أنها: مترددة، وقصيرة الأمد، وتعتمد على ردود الأفعال، وتعتمد بالكامل على الولايات المتحدة، وهي النظرة التي يقول الزويري إنها تسببت في صدمة النظام الإيراني والنخبة السياسية الإيرانية من ردة فعل السعودية السريعة والحازمة بقطع العلاقات بعد اقتحام سفارتها وقنصليتها وإحراقهما.

واعتبر أن أعظم ما تخشاه إيران، والذي جعلها ترد بحملة شرسة على الخطوة السعودية، هو خوفها من تشكيل حلف ضدها بعد أن ساند العديد من الدول العربية الموقف السعودي وتضامن بعضها معها بقطع علاقاته مع إيران أو خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي.

قدّم الدكتور مروان قبلان رئيس وحدة تحليل السياسات في المركز العربي ورقة بعنوان "الأزمة السعودية - الإيرانية وبنية النظام الإقليمي"، أوضح فيها أن هذا الصراع يأتي في سياق مرحلة انتقالية بين انهيار نظام إقليمي سابق وعملية جارية لتشكيل نظام جديد، مع تفكك دولة إقليمية قوية هي العراق، وكذا انسحاب قوى كبرى تقليدية في المنطقة ممثلة في الولايات المتحدة ودخول قوى أخرى وفي مقدمتها روسيا، فبرزت السعودية وإيران قوتين إقليميتين متنافرتين متصارعتين. وأشار إلى أن إيران استغلت تفكيك الغزو الأمريكي للعراق لتوسع هيمنتها في البلاد وبسط نفوذها بما أعطاها إمكانات مناورة أكبر على الصعيد الإقليمي.

ورأى أن نقطة إعلان إيران مطامحها في الهيمنة على المنطقة كانت عند خروج القوات الأمريكية من العراق، فقد كانت إيران شيدت شبكة لإحكام نفوذها في المنطقة بالربط بين مختلف مواقع نفوذها وتحالفاتها، غير أنها فوجئت بالثورة السورية التي تعد العامل الأساس الذي منع إيران من تشكيل هلال الهيمنة الذي خططت له. وشدّد على أن الصراع عربي إيراني، ولا يمكن تقليصه إلى صراع سني شيعي مثلما تسعى إيران حتى تستقطب الشيعة العرب وتستخدمهم في صراعها.