مجتمع » حريات وحقوق الانسان

السعودية بين الفتنة وتلميع الصورة

في 2016/01/23

علي ابراهيم مطر-خاص راصد الخليج

مذ إقدام السلطات السعودية على إعدام الشيخ نمر النمر، سارعت وسائل الإعلام التابعة للمملكة من قنوات تلفزيونية وصحف ومواقع إلكترونية، إلى فتح اعلامها لتلميع صورة المملكة التي اهتزت بشكل أضخم مما كانت عليها سابقاً ولا سيما أمام المجتمع الدولي الذي أجمع على استنكار عملية الإعدام هذه.

بعض كتّاب المملكة حاول إظهار قيمة التعايش في السعودية، وأهمية مشاركة الطائفة الشيعية في المجتمع السعودي، مؤكدين على صفة المشاركة واحترام شيعة المنطقة الشرقية، من دون أن يتطرقوا إلى تهميشهم سياسياً وحياتياً.

حاول بعض هؤلاء دعوة «السنة» إلى عدم التغريد والحديث بما يستفز الشيعة، فيما دعوا الشيعة الى عدم الانجرار وراء الفتنة، لكنهم نسوا أن سلطاتهم أعدمت رمزاً من رموزهم الذين يعتبرون انه لم يكن يدعوا للعنف، وان خطابة خطابا سلميا.

رغم ان الدعوة الى عدم الانجرار إلى الفتنة هي دعوة صحيحة ومطلوبة، الا ان الملاحظ هو وقوع هذا الاعلام بالتناقض. فكيف يريدون من فئة مجتمعية أن لا تنجر وراء الفتنة أو تعمل على تهدئة الأوضاع في حين أنهم يشوهون صورة رمزها ويبخسّون ما جرى، محاولين إظهار الشيخ نمر النمر كمذنب نال عقابه، وأن أهالي المنطقة الشرقية لا يؤيدونه. دون اغفال ان هذه الدعوات لم تترافق مع خطوات عملية لرفع الحرمات عن فئات مهمشة، دون ان ننسى ان التهميش لا ينحصر بطائفة دزن اخرى.

ما تقدم، تظهره مقالات بعض الكتاب المحسوبين على السلطة، حيث تبين توجهات هؤلاء التي يراد منها تخفيف حدة الغضب في المنطقة الشرقية ضد العائلة السعودية الحاكمة، فيما تحاول هذه الأصوات من ناحية أخرى تلميع صورة السعودية أمام الدول الكبرى التي انتقدت تصرفات السلطات التي تنتهك حقوق الإنسان وتزيد من الكراهية المجتمعية.

ضمن هذه الكتابات يقول فهيد العديم في مقالة له في صحيفة مكة حملت عنوان (ماذا يريد الشيعة في السعودية)  «عندما نقول ماذا يريد الشيعة، فإننا بالطبع لا نجعل النمر أنموذجا، فهو بعيد عن التصنيف الطائفي الذي وجدنا أنفسنا – للأسف – مضطرين لاستخدامه، لا فرق بينه (النمر) وبقية من نُفذ فيهم الحكم من المتطرفين، وإن حاول البعض أن يدلس ويصنّفه بصاحب رأي، وهذه المحاولة إما غباء أو غباء أيضا، فالرأي يخرج من كونه رأيا، ويصبح جريمة عندما يصل للدعوة إلى حمل السلاح والقتل، وهنا لا فرق بين الداعي سواء كان شيعيا أو سنيا، أو حتى لا دينيا!

هذه الأسئلة داهمتني على هيئة تأملات بعد أن تابعت خلال الأيام التي تلت تنفيذ حكم الإعدام في المتطرفين، بعض المواقع الالكترونية الشيعية، وموقع التواصل الاجتماعي، فلم أجد فيها مطالب منطقية. أقول منطقية جدلا، وإلا بالأصل لا توجد مطالب أصلا، فالكلام الذي يردده هؤلاء هو نفسه الكلام الذي يردده مريدو ومؤيدو المتطرفين السنة».

هذا النموذج من المقالات يطرح أسئلة عديدة حول ما يكتبه أصحاب الاقلام السلطوية، فكيف يمكن درء الفتنة، من دون الالتفات إلى ما تريده فئة من المجتمع السعودي. لا بل أن الكاتب لا يعترف بمطالب هذه الفئة، وقد لا يرى وجودًا لهذه الطائفة ومطالبها بالعيش الكريم والتعايش والاندماج بالعمل السياسي والمجتمعي، ناهيك عن وصف «فهيد العديم» للشيخ النمر بالمتطرف والمجرم، وهذا ما يمس فئة وازنة في المجتمع السعودي لا ترى في الشيخ النمر هذه الصفة.

من جهته «أمجد المنيف» يقول في مقالة له في صحيفة الرياض بعنوان (رسالة إلى مثقفي الشيعة)، «لا يمكن الحديث من منطلق سني أو شيعي، وهو مرفوض تماما، فالجميع سواء تحت مظلة الوطن»، ويضيف «ينتظر - وهو واجب وطني - من قادة الرأي الشيعة أن تكون لهم أدوار في مخاطبة الخارج، ولا شك لدينا في الداخل، ولكن ليعرف من يقرأ المشهد خارجيا، حتى من غير إيران، أن مزاعمهم كاذبة، وأن تكون هناك رسالة شبه جمعية، تفند بعض الآراء التي تزايد على الوطن، وتزعم بوجود اضطهاد، أو رغبة بالانقسام، وتوضيح أن مثل هذه النقاط هي جزء من رؤية إستراتيجية خارجية، روج لها خونة وإرهابيون».  هنا نسأل كيف يطلبون من فئة تعيش التهميش أن لا تطالب بحقوقها وأن تقول إن ما يلحقها من عذابات هو كذب؟ وكيف يطالبون برسالة شبه جمعية من قادتهم ، في حين أن السلطات تمعن في قمع هذه الفئة وتهميشها وقتل قادتها وسجنهم لمجرد مطالبتهم السلمية بالحقوق.

كذلك يقول الكاتب «حسن المصطفى» في مقالته في صحيفة الرياض تحت عنوان (تأكيد المؤكد.. وطنية الشيعة!) إن «أنظمة الدولة تتكامل في صيانة الحقوق، وتحقيق العدل، وكفالة حرية التعبير، والتصدي لأسباب التفرقة ودواعيها، وعدم التمييز، فلا فرق بين مواطن وآخر، ولا بين منطقة وأخرى». وهنا أيضاً نسأل، هل ما يقوله المصطفى يطبق في السعودية؟ وهل هناك احترام لحرية الرأي والتعبير؟ الم يعدم أناس من فقط للتعبير عن آرائهم بطريقة سلمية ومنهم الشيخ النمر.

ويتابع «إن البحث عن حقيقة ولاء الشيعة السعوديين لوطنهم، ومحاولة اختبارهم، بين فينة وأخرى، يعد أمرًا عبثيًا، لا معنى له، لا يصب في مصلحة ترسيخ روح المواطنة، وهي دعوات من شأنها أن تزيد من أجواء التوتير، والفرقة المذهبية، وتهدد السلم الأهلي».. هذا جيد لكن لا يطبق فعليا من قبل علماء الدين في المملكة وبعض النخب التي تستخدم خطاب مذهبي تحريضي، لا بل أن السلطات نفسها تتعامل مع بعض الفئات وكأنهم غرباء عن الوطن.

ما تقدم من كتابات وأقوال ودعوات من قبل صحافيين سعوديين محسوبين على السلطة، لا يستخدم إلا لذر الرماد في العيون، والعمل على امتصاص اي غضب قد يحصل في نتيجة إعدام الشيخ نمر النمر. أضف إلى ذلك فانه لا يعدو كونه خطاباً محضر مسبقاً لتلميع صورة المملكة السوداء في سجل حقوق الإنسان والقول إن ما تقوم به السلطات هو شأن داخلي هدفه تطبيق القانون وإبعاد شبح الفتنة عن السعودية.