علاقات » تركي

«ستراتفور»: بوادر تقارب مصري تركي بوساطة سعودية

في 2016/01/25

ستراتفور- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-

من السهل جدا أن نرصد كيف كانت كل من تركيا ومصر مبتعدتين عن بعضهما البعض في الآونة الأخيرة. رفضت تركيا الاعتراف بحكومة القاهرة التي جاءت إلى السلطة بانقلاب عسكري في عام 2013. فر العديد من قادة جماعة الإخوان المسلمين المصرية إلى تركيا، التي تحكم من قبل حزب إسلامي يحمل نفس التفكير أبدا تعاطفا مع محنتهم، بعد أن طاردهم الجيش. لم تفعل السنوات السابقة شيئا لإصلاح العلاقات. دعا الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» نظيره المصري بـ«الطاغية». وقد حاولت القاهرة الحصول على مساعدة من (إسرائيل)، وذلك لمنع المساعدات التركية لحركة حماس في قطاع غزة. تدعم أنقرة فصائل مسلحة في ليبيا تعاديها القاهرة، وبشكل عام، قامت تركيا بغزوات دبلوماسية خلال العالم العربي في الآونة الأخيرة، كانت القاهرة تنظر إليها بشكل عام بشيء من القلق.

ولكن يبدو كما لو أن كل من مصر وتركيا مستعدتين للتخلي عن بعض خلافاتهما من أجل المصالح. في الواقع تشير مصادر مقربة من المفاوضات الجارية إلى أن هناك اتفاقا قد يتم التوصل إليه في المستقبل القريب تقوم خلاله مصر بإلغاء أحكام الإعدام ضد قيادات الإخوان المسلمين في مقابل اعتراف رسمي تركي بحكومتها. تقع المملكة العربية السعودية في قلب هذه المفاوضات، والتي، في ضوء مجموعة متنوعة من التطورات الإقليمية، بما في ذلك التقارب بين الولايات المتحدة وإيران، تسعى لحشد الدول السنية إلى جانبها.

تحليل

أيا ما كانت حجم الخلافات بين كل من تركيا ومصر فسوف يتم تجاوزها لصالح التحديات الاقتصادية والأمنية الأكثر أهمية. يكافح كلا البلدين لاحتواء النشاط المتطرف داخل حدودهما. بالنسبة لمصر، فقد جاءت نقطة التحول الكبرى في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2015 عندما فجر مسلحون ينتمون إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» طائرة روسية فوق وجهتها السياحية الأكثر أهمية، شرم الشيخ. وفي الوقت نفسه فإن متشددين من شبه جزيرة سيناء وليبيا قد تسببوا في مقتل مئات من الجنود المصريين وضباط الشرطة، وعدد من كبار المسؤولين، بما في ذلك النائب العام المصري.

ثمن المساعدات

ولكن إدارة هذه الأنواع من القضايا الأمنية يتطلب في المقام الأول حل المشاكل الاقتصادية الخطيرة مثل ارتفاع معدلات البطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وانخفاض احتياطيات العملة وعدم القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية، وهي الأسباب التي تدفع الشباب الساخطين إلى الانضمام إلى الجماعات المتطرفة في المقام الأول. من ناحية، فإن المملكة العربية السعودية لديها المال الذي يحتاجه الاقتصاد المصري من أجل البقاء واقفا على قدميه. على مدى السنوات القليلة الماضية، قدمت الرياض مليارات الدولارات إلى القاهرة في صورة استثمارات وقروض ومنح من أجل مساعدة «السيسي» على دفع استقرار البلاد.

ولكن المساعدات السعودية، بطبيعة الحال، قد جاءت بثمن. تتعرض القاهرة لضغوط للموافقة على مطالب أنقرة من أجل لإلغاء أحكام الإعدام بحق الإخوان المسلمين، كحيلة لتحسين العلاقات السعودية التركية، وأيضا لزيادة دعمها للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن (وربما دعم المجموعات التي تؤيدها السعودية في سوريا).

هذا التكتيك ينسجم مع استراتيجية المملكة العربية السعودية الإقليمية الأوسع، والتي تهدف إلى إنشاء تحالف للدول السنية يستطيع مواجهة إيران التي تواصل شق طريقها مرة أخرى إلى المجتمع الدولي. تحقيقا لهذه الغاية، تسعى الرياض إلى كسب تأييد أعضاء مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي في تحالف مشترك لمكافحة الإرهاب. وسوف تكون القوة العسكرية المشتركة أمرا مهما في هذا الصدد. ومصر، من جانبها، لديها مصلحة في أن تسير إلى جانب خطط المملكة العربية السعودية. من دون مساعدة الوسائل المالية لمكافحة التشدد في سيناء وليبيا، فإن مصر سوف تسعى للاستفادة من رعاة أجانب آخرين بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا. وعلاوة على ذلك، تدرك مصر أن حل الأزمة في العراق وسوريا، خاصة مع وجود شبكة معقدة من اللاعبين الخارجيين، ربما يتسبب في انتقال أعمال العنف إلى داخل حدودها، وهو أمر قد لا ترغب القاهرة في معالجته بمفردها.

الضرورات المشتركة

تبدو المملكة العربية السعودية عازمة على إحاطة نفسها بمجموعة من الدول السنية تستطيع السيطرة عليها. ولكن تجدر الإشارة إلى أن جذور ذلك تنبع في المقاوم الأول من المخاوف الأمنية الداخلية الخاصة بها، وخصوصا تلك المتعلقة بالتكتل الشيعي في الشرق. المملكة العربية السعودية هي أقل عرضة للتطرف من مصر، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى تفوق الاقتصاد السعودي. لذا فإن انخفاض أسعار النفط في نهاية المطاف يمكن أن يخلق نوعا من عدم الاستقرار الاقتصادي الذي قد يسمح بانتشار الجماعات الجهادية. الحكومة السعودية، المعني الأول بالاضطرابات التي تحدث في اليمن، تقدر جيدا قيمة الاستقرار، وخاصة ذاك النوع من الاستقرار الذي يقوده السنة على حدودها.

هذا يفسر لماذا تحرص المملكة بشدة على إبقاء تركيا إلى جانبها. كما هو الحال في اليمن، تسعى الرياض إلى إقامة دول سنية، هذه المرة إلى الشمال في كل من سوريا والعراق. وقد جاءت الرغبة السعودية في القيام بذلك في وقت وصلت خلاله تركيا، ومن قبلها مصر، إلى نقطة حرجة بعد التفجير الانتحاري الذي نفذه سوري قبل أسبوعين وأسفر عن مقتل 10 من الأتراك والأجانب في قلب المنطقة السياحية في مدينة إسطنبول. بعد أن فوتت فرصا سابقة، فإن تركيا ربما تكون على استعداد الآن للتدخل بشكل أكبر في الصراع الدائر إلى جنوبها. بطبيعة الحال، فإن زيادة العمليات العسكرية هناك سوف تؤدي إلى تفاقم التوترات مع روسيا، ما سيضطر تركيا للعمل مع شركاء آخرين لتحقيق الاستقرار على حدودها. لتجنب عزل نفسها، فإن تركيا سوف تعمل على نحو أكثر فاعلية تحت مظلة ائتلاف الدول السنية، حيث سيصعب على روسيا، سياسيا، مواجهة ائتلاف موسع بهذا الشكل. هذه المشتركات الحتمية بين تركيا والمملكة العربية السعودية توحد بين القوتين السنيتين بشكل لم يحدث من قبل.

وقد ظلت الصفقة التي تحاول السعودية التوسط خلالها بين تركيا ومصر في طور التكوين لعدة أشهر. طرح العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبد العزيز» الأمر مع «السيسي» وقت مبكر من مارس/أذار 2015، وذلك قبل الوعود الاقتصادية بتقديم مليارات الدولارات لمصر خلال القمة الاقتصادية في شرم الشيخ، وفقا لمصادر «ستراتفور».

لا تزال أحكام الإعدام بحق أبرز قادة الإخوان المسلمين، مثل الرئيس السابق «محمد مرسي» والمرشد محمد «بديع»،على حالها. ولكن القاهرة خفضت بهدوء العقوبات المفروضة على أعضاء آخرين في ديسمبر/كانون الأول، كما قامت بتخفيض أحد العقوبات الموجهة بحق «بديع». في حين تواصل قوات الأمن المصرية القبض على الناشطين المنتمين لجماعة الإخوان. وتجدر الإشارة إلى القاهرة من غير المرجح أن تغير حكم الإعدام بشأن «مرسي» طالما ظل الأمن في مصر غير مستقر، لأن ذلك سوف يؤدي إلى إثارة المؤيدين للإخوان والمناهضين للإخوان على حد سواء.

ومع ذلك، فإن التنازلات لمقدمة في ديسمبر/كانون الأول قد تكون كافية لـ«أردوغان» للاعتراف بالمجلس العسكري.

عملت تركيا بجد لتحسين علاقاتها في منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة، وسوف يساعد تحركها تحت مظلة ائتلاف أوسع ليس فقد في تثبيت صورتها في العالم العربي، ولكنه سوف يساعد أيضا على تخفيف أي ردود فعل محتملة من قبل روسيا في ساحة المعركة إذا كان هناك عدد أكبر من المشاركين. هناك أيضا اعتبارات اقتصادية لساحة اللعب. في عام 2015، تم استبعاد أنقرة من المجموعة التي استفادت بشكل مباشر من اكتشاف حقل زهر للغاز الطبيعي في مصر. تركيا حريصة الآن بشدة على استعادة موقعها في معادلة الطاقة والترويج لنفسها لدى (إسرائيل) وقبرص كمحطة أكثر اقتصادية لعبور أنابيب الغاز إلى أوروبا.

في هذه النقطة تتحاذى المصالح بين كل من تركيا ومصر. بالنسبة لتركيا، فإن تركيا ترغب في الاستفادة من حقل زهر. وبالنسبة لمصر فإنها لا تزال مهتمة بدور مركزي ضمن التحالف السعودي. هذا ربما يدفع أنقرة للاعتراف بشرعية الحكومة في القاهرة.

هذه المصالح المشتركة قد تمهد الطريق لتعاون أوثق بين تركيا ومصر، ولكن يبقى السؤال كيف يمكن للبلدين التغلب على خلافاتهما سريعا. في أبريل/نيسان، سوف يتم عقد اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، وكلا البلدين أعضاء في المنظمة. من المنتظر أن يحضر «السيسي» وسوف تكون هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها مسؤول مصري رفيع المستوى تركيا منذ الانقلاب العسكري في عام 2013. سوف تكون القمة مؤشرا جيدا على مدى نجاح جهود السعودية لإحداث تقارب مثمر بين البلدين.