دول » السعودية

فوز المرأة السعودية في الانتخابات البلدية: بين التضخيم والتقزيم

في 2016/01/25

هبة البيتي- معهد واشنطن-

فازت نحو 20 سيدة سعودية في الانتخابات البلدية التي جرت الشهر الماضي، وسرعان ما تناقلت وسائل الإعلام خبر فوزهن التاريخي بدخول غمار الحياة السياسية في السعودية. وناقشت البرامج الحوارية فوز السعوديات بمقاعد في الانتخابات البلدية كما هنأ مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي المرشحات بإنجازهن الكبير.

وفي حين ضخّم بعض المحللين فوز المرشحات على المستوى السياسي، طرح آخرون تساؤلات حول دور المجالس البلدية على المستوى العملي ومشاركة المرأة في الحياة السياسية. إلا أن ما كان غائباً عن الإعلام لا سيما الإعلام الغربي، هو الهدف الحقيقي من مشاركة هؤلاء النساء في الانتخابات البلدية.

فالمرأة السعودية تدرك أنها أبعد ما تكون عن المساواة مع الرجل في ممارسة حقوقها السياسية، لا سيما وأن المرشحات ممنوعات من التحدث مع المرشحين الذكور أو حتى عرض حملاتهن الانتخابية أمام الناخبين الذكور، ناهيك عن القيود العامة المفروضة على حرية تنقل المرأة. لكن السعوديات يراهنّ على إبراز المفارقة بين المكاسب التي حققنها في التمثيل السياسي وبين وضعهن الحقيقي في الوقت الحالي. بمعنى آخر، تأمل السعوديات بأن تُسلّط هذه الانتخابات الضوء دولياً على مسائل أخرى كالوصاية والأهلية للحصول على مواطنة كاملة والتساوي في الحقوق مع الرجل.

وقد بدأ نضال السعوديات لنيل حقوقهن السياسية للمشاركة في الانتخابات البلدية قبل فترة وجيزة من الانتخابات البلدية الأولى عام 2004، حيث كوّنت مجموعة من الناشطات بقيادة فوزية الهاني والدكتورة هتون الفاسي حملة "بلدي"، وهي مبادرة سعت لإشراك السعوديات في الانتخابات البلدية. وحين سئلت عن أهمية مشاركة النساء في الانتخابات البلدية، قالت أمل زاهد وهي كاتبة وإحدى العضوات المؤسسات للحملة أن المشاركة "خطوة أولى" لتحقيق "تغيير اجتماعي حقيقي". وأكدت أنه من خلال ممارسة حق التصويت وترشيح نساء أخريات للانتخابات، فإن المرأة السعودية ستتمكن من نشر الوعي بالثقافة الانتخابية. وبحسب زاهد، فإن هذه الثقافة الانتخابية عبارة عن "عملية تراكمية" في أي مجتمع في طور التحول إلى مجتمع مدني. وذكرت زاهد أن النساء في سويسرا لم ينلن حقهن في الانتخاب إلا في سبعينيات القرن الماضي، مما يؤكد أن النساء في أنحاء العالم خًضن صراعاً طويلاً ليتمكنّ من دخول المعترك السياسي.

تجدر الإشارة إلى أن الدورة الأولى للانتخابات السعودية أقيمت في 2005، بينما بدأت مشاركة المرأة في الانتخابات في 2011. وكان العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد قرر إشراك المرأة السعودية في "مجلس الشورى" والمجالس البلدية بعضوية كاملة.

وتكمن أهمية الانتخابات البلدية التي أجريت عام 2015 في أنها الانتخابات الأولى التي تنتخب فيها المرأة وتترشَح أيضاً. وقد ترشحت أكثر من 900 سعودية في الانتخابات وشاركت فيها نحو 130 ألف ناخبة مقابل 1.36 مليون ناخب.

وبحسب أرقام منسقي الانتخابات، فإن الانتخابات البلدية شهدت ضعفاً في المشاركة من قبل الرجال والنساء على السواء. لا بل إن الكثير من المرشحين الذين شاركوا في الدورات الانتخابية السابقة اختاروا عدم المشاركة في انتخابات عام 2015. وقد برر هؤلاء قرارهم بأن اللجان الانتخابية السابقة لم ترتق لتوقعاتهم ولم تنفّذ مطالبهم. في حين طرح البعض قضية فعالية المجالس البلدية للنقاش، نظراً لصلاحياتها المحدودة التي أدت إلى عجزها عن تنفيذ قراراتها. بالنظر لهذه الأسباب وفي ظل غياب المشاركة الفعلية، وصف بعض المحللين تجربة الانتخابات البلدية ومشاركة المرأة السعودية فيها بأنها تجربة فاشلة.

وفي حين وجدت نسبة كبيرة من السعوديين المشاركة في الانتخابات البلدية غير لازمة وغير مُرضية، فقد رأت السعوديات بأنها ضرورية على الرغم من الأرقام المتواضعة للمرشحات والناخبات مقارنة بنسبة مشاركة الرجال. حيث استغلت السعوديات مشاركتهن بالانتخابات البلدية لجذب انتباه العالم لظروف المرأة في السعودية، على أمل أن يكون ذلك دافعاً لمنح المرأة المزيد من الحقوق المدنية على مختلف المستويات الاجتماعية.

لا تزال مشاركة المرأة في الوسط المهني غير متقبلة كثيراً لأسباب عدة منها أن السعوديين يشعرون بالارتباك عند التواجد مع النساء في أماكن عامة. وفي مجتمع يعدّ فيه تواجد النساء في الأماكن العامة أمراً غير مستحب، فليس من المتوقع منهن الإسهام في التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تهدف لتحقيقها المجالس البلدية. لكن القرار الرسمي بإشراك النساء في الانتخابات البلدية ورغبتهن في ممارسة هذا الحق سيدفع المجتمع السعودي إلى قبول حيثيات هذا الواقع الجديد. ثمة أمثلة لحدوث قبول اجتماعي تدريجي لكثير من الأمور بعد صدور القرارات الرسمية، فالمجتمع السعودي حتى الماضي القريب لم يكن يقبل بتعلم المرأة أو مشاركتها في "مجلس الشورى" حتى صدور قرار رسمي للملك فيصل لجعل التعليم إلزامياً للبنين والبنات، وبعدها قرار الملك عبدالله عام 2011 لإشراك المرأة في "مجالس الشورى".

من المهم عدم تضخيم فوز السعوديات بمقاعد في الانتخابات البلدية الأخيرة كما من المهم عدم تقزيم ما حققنَه في نضالهن لكسب حقوقهن كمواطنات تتمتعن بحقوق متساوية من خلال هذه الانتخابات. وإن فوز ٢٠ مرشحة بمقاعد وإن كانت في مجالس بلدية تتمتع بصلاحيات محدودة، سيشكل دافعاً قوياً للمرأة لتحوز التمثيل الكامل ولو كان ذلك في مجلس بلدي لا صلاحيات له.

تناقلت وسائل الإعلام الاجتماعي رسماً كاريكاتورياً حول المجالس البلدية يصوّر أعضاء المجلس كمزهريات على طاولات. نصف تلك المزهريات أزرق، يمثل الذكور، والنصف الآخر أحمر، يمثل النساء. يختصر هذا الرسم بوضوح صوريّة مشاركة المرأة بالانتخابات البلدية في السعودية. وإن تمثيل النساء في هذا الرسم رسالة واضحة بأن المرأة السعودية وإن لم تتمكن من تحقيق الكثير في الانتخابات البلدية، فإنها تؤكد على رغبتها في التواجد بنفس القدر الذي يتواجد به النصف الآخر من المجتمع السعودي.