دول » البحرين

نائب يبحث عن 27 رجلاً!

في 2016/01/27

هاني فردان- الوسط البحرينية-

كتب النائب المحسوب على جماعة «المنبر الإسلامي» محمد العمادي عبر حسابه الخاص في «تويتر» يوم الأحد (24 يناير/ كانون الثاني 2016) تغريدة قال فيها «نائبين من أصل ثلاثة هم لجنة الجدية، قرّرا عدم جدية ثلاثين نائباً قدّموا طلب استجوابات وزيري الطاقة والمالية! أتمنى أن نجد 27 رجلاً يوم الثلثاء».

النائب العمادي كان يبحث عن من كان يصفهم بـ «الرجال» في مجلس النواب، لدعم طلبي الاستجواب لوزيري المالية والطاقة على خلفية رفع أسعار البنزين، ووضع أمام عينيه 27 رجلاً، رغم أن الموقعين على طلب الاستجواب 30 نائباً!

كلمة «رجال» في مجلس النواب مثيرة وحساسة جداً، وأصبحت ماركة مسجلة لوزيرة الثقافة السابقة التي أطلقت عنانها من داخل مجلس النواب عندما اتهمت بعض النواب بأنهم «ما في رياييل».

فقد اضطر رئيس مجلس النواب السابق خليفة الظهراني، لرفع جلسة النواب في (3 أبريل/ نيسان 2012)، قبل الانتهاء من عرض الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال، وذلك بعد ثورة نيابية قام بها أعضاء مجلس النواب، ضد وزيرة الثقافة (السابقة) الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، على إثر اتهامها النواب بإرسال أطفال وصفتهم بـ «المرتزقة»، لتشويه فعاليات ربيع الثقافة.

واستمر الاستفزاز النيابي بين الشيخة مي والنواب حتى بعد رفع الجلسة في المرة الأولى، وتبادلوا الاتهامات فيما بينهم، فيما رفض الأخيرون العودة للجلسة مرة أخرى، وطردوا الشيخة مي من الجلسة، وهو ما جعلها تعقب على طردها من الجلسة بالقول: «الشرهة عليكم ما في رياييل».

منذ تلك اللحظة كان الوصف محصوراً ومنتشراً بين فئات شعبية مختلفة كلما جد جديد يتعلق بحياتهم المعيشية، وعجز النواب عن التصدي له أو وضع حلول ترضيهم بشأنه.

الغريب أن ذلك الوصف عاد مجدداً ولكن هذه المرة على لسان النواب أنفسهم، ففي 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، دعا رئيس لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس النواب عبدالرحمن بوعلي، أعضاء مجلس النواب إلى الوقوف وقفة رجال أكفاء أمام تحديد سقف للدين العام، معتبراً أن «عدم تحديد سقف للدين العام يعني أننا سنذهب إلى الهاوية».

بعد ذلك عاد النائب محمد العمادي لطرح وصف «الرجال»، ولكن عبر حسابه الخاص في «تويتر»، وهو ما أثار النائب خالد الشاعر الذي رد على العمادي في «تويتر» أيضاً «إحنا رجال يا بوخالد، وأنت رجل لو مقتنع بالمحاور استقيل مثل ما قلت يجب الاستقالة»، وردّ عليه العمادي بالقول «ما فهمت العلاقة بين المحاور والاستقالة!!! شدخل؟».

هناك نواب يعون حقيقة ما يحدث، ويتلمسون الواقع الذي يعيشونه، وهناك نواب آخرون في سبات عميق لا يدركون ما يجري حولهم، وبالتالي فهم لا يكترثون بما إذا كانت لديهم صلاحيات أو سلطات أو أن ما كانوا يملكونه قد سحب من تحت أقدامهم في لحظة سباتهم.

يجلد بعض النواب حالياً ذواتهم، لأنهم أصبحوا الآن بين فكي الكماشة، بين الحكومة التي تريد رفع الدعم عن السلع الرئيسية والدخول في مرحلة «تقشف» لتجاوز الأزمة المالية، وبين ناخبيهم الذين يطالبونهم بتحسين أوضاعهم المعيشية لا زيادة الأعباء عليهم، فليس منطقياً أن يخرج نائب ليتحدث علناً بأنه لا يمكن لأحد أن يحمله مسئولية قرار رفع الدعم عن السلع الرئيسية، فإن لم تكن السلطة التشريعية والرقابية مسئولة، فمن سيكون المسئول حتى وإن كان القرار بيد الحكومة؟

الأمر غير المستغرب في المشهد كله، وخصوصاً أن الموقعين على طلبي استجواب الوزيرين 30 نائباً، وفي لحظة التصويت على القرار وقف 15 نائباً فقط مؤيداً، وتراجع البقية عن مواقفهم التي كانت مجرد «صراخ» إعلامي.

مشهد انسحاب نواب من طلباتهم لاستجواب وزيرٍ أمرٌ ليس جديداً، وهو ما يؤكد أيضاً عدم جديتهم في تفعيل واستخدام ما لديهم من أدوات محاسبة دستورية، وقد سبق ذلك الحديث عندما خرج منسق استجوابي وزيري المالية والطاقة النائب أحمد قراطة محتجاً، ومنسحباً، في (21 يناير/ كانون الثاني 2014) بعد أن صرخ لقد «سرقوا استجوابي» وهو الاستجواب الذي كان معداً سلفاً لوزير المالية أيضاً.

سرقة نواب لأوراق طلب الاستجواب، كانت حقيقة، إذ قام نائب برلماني بذلك الفعل «خشية افتضاح أمر شطب بعض النواب أسماءهم من الورقة، وخوفاً من ظهورها في الصحافة»، وذلك بعد أن تقلّص عدد موقعي الطلب من 18 نائباً، وفي غضون نصف ساعة، إلى 9 فقط!

حادثة يوم الثلثاء (26 يناير/ كانون الثاني 2016) والحوادث الأخرى تؤكد حقيقة ومصير أي استجواب قد يقدم عليه النواب حالياً.

فليس من حق أحد أن يخرج ويطلب من الناس تقديم «الاحترام» لبعض النواب، أو عدم السخرية من مواقفهم وتصريحاتهم وصراخهم الذي أصبح مفضوحاً، ونقول إلى النائب محمد العمادي كما قال له النائب خالد الشاعر، ولتكن النائب الرجل الوحيد وقدم استقالتك.