دول » عُمان

تسعيرة البترول وترشيد الإنفاق

في 2016/02/04

محمد الحضرمي- عمان اليوم-

في كل مرة أصحب فيها أسرتي إلى أحد المراكز التجارية، أُسْمِعُهُم كلمة: اقتصدوا ولا تسرفوا، وهي ليست من قبيل المزاح، بل الضرب برمح الكلمة في ناصية الواقع، وما حيلة من لا دخل له سوى الراتب و الاقتصاد في مأكله ومشربه ومسكنه، وفي أي مكان يكون فيه؛ في البيت أو السوق، لا سبيل له إلا أن يقتصد في إنفاقه، وأن يحفظ رياله الأحمر ليومه الأسود، اليوم الذي يضطر فيه أن يستدين، والدين كما هو معلوم: همٌّ بالليل ومذلةٌ بالنهار.
هناك أشياء كثيرة نشتريها ولا أهمية لها، لنجرب أن نغض الطرف وننصرف عن شرائها قليلاً، وكل منا يعرف تلك الحاجات غير الضرورية، لنجرب أن نقتصد في المأكل والمشرب، فالأسعار ترتفع شيئًا فشيئًا، كانتشار المرض الخبيث في الجسد السليم والعياذ بالله، الفقراء والبسطاء والمعتمدون على راتب الضمان الاجتماعي، هي الفئة الأكثر إحساسًا بارتفاع الأسعار.
وبلا شك فإن الأسعار مرتبطة بتسعيرة البترول، ولكن بنظرة إيجابية للوضع فإنه يعطينا درسًا عمليًا في الحفاظ على المال والوقت، كنا نحرق البترول في مشاوير يومية لا جدوى من ورائها ولا منفعة، كنا لا نعبأ بتسعيرة البترول فماذا يعني أن ندفع خمسة ريالات لقاء 41 لترًا من البترول النقي؟، أما اليوم فصرنا نعرف كم لترًا يمكن أن تنسكب في خزانات سياراتنا، وصرنا نلتفت إلى تفاصيل صغيرة لا يعرفها إلا الموظفين في محطات البترول، بل صرنا نعرف مقدار الكيلومترات التي نستهلكها بهذه التسعيرة الجديدة، هذه الثقافة نمت وتطورت فجأة في أذهاننا، بعد أن هزتنا تسعيرة البترول.
لنكف أيدينا عن شراء ما لا نحتاج له، ولنجرب مقاومة إغراء الاستهلاك، ونقلل من التردد اليومي إلى المقاهي السياحية، ففنجان القهوة في البيت ومع الأسرة، أشهى للنفس من شربه في مكان آخر، وأكثر أمانا للمال من جلسات المقاهي، وما يصاحبها من إنفاق وتبذير، وهي طريقة ذكية استطاع بها المدرب «ديفيد باخ» أن يقنع إحدى متدرباته، من خلال عرضه لقصة «قهوة اللاتيه»، التي تستهلك الكثير من الوقت والمال، وبحسبة قصيرة أثبت لها أن هذه القهوة وشبيهاتها إحدى الأسباب التي كانت تجعلها مفلسة وغير قادرة على التوفير.
لنجدول حياتنا اليومية، وخلال المشوار الواحد يمكن أن نقضي حاجات كثيرة، فلا نضطر للتردد في الشوارع لغرض واحد؛ نسير مسافة كيلو مترات من أجل أن نشتري أكياس خبز، نقضي مشاوير تافهة لا قيمة لها في حياتنا اليومية، نحرق لها لترات من البترول، ومن استهلاك السيارة، ومن الوقت، أو نتعرض لصعقة مخالفة من رادار مخبوء خلف أعمدة الإنارة، كل هذا معرضون له، معرضون لمخالفات واستهلاكات كثيرة لأسباب صغيرة، يمكننا أن نتفادها حين نجدولها، ونضعها في قائمة واحدة، ونقضيها في مشوار واحد.
لنرتب أولوياتنا كما نرتب عباداتنا وفرائضنا، حينها سنوفر كثيرًا، وسنجد أن الخير كله بين أيدينا، فلا نشح ولا نسرف، ونوائم حياتنا وفق احتياجاتنا، ولا سبيل إلى كبح جماح الأسعار إلا بالامتناع عن شراء الزائد عن الحاجة، وكف اليد عن الاستهلاك الباذخ.