ملفات » زيارة محمد بن سلمان إلى واشنطن

بن سلمان في واشنطن.. دعماً لرؤية 2030 واختباراً للعلاقات

في 2016/06/17

لا تبدو العلاقة التاريخية بين المملكة العربية السعودية وأمريكا مستقرة بالقدر الذي كانت عليه طيلة الأعوام الماضية، فأزمات المنطقة التي تحيط بالمملكة، وازدواجية واضحة في تعاملات واشنطن مع تلك الأزمات، عصفت بالعلاقة، وبات الحديث عن أزمة حقيقية يتداول في الأروقة السياسية، وهو ما ستبرز تفسيراته خلال زيارة ولي ولي العهد محمد بن سلمان التي يجريها لواشنطن.

وعلى طاولة بن سلمان والمسؤولين الأمريكان عدد من الملفات الاستراتيجية المهمة التي تشمل العلاقات الثنائية بين البلدين، والتعاون الأمني، ومتابعة نتائج القمة الخليجية التي شارك فيها أوباما مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض أبريل/نيسان الماضي، والقضايا الإقليمية، خاصة الأزمة السورية، والوضع في اليمن والعراق وليبيا، إضافة إلى مكافحة الإرهاب، وجهود التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في مكافحة تنظيم "الدولة" في سوريا والعراق.

زيارة بعد رؤية اقتصادية وتحول

تختلف الزيارة في ظروفها مع تلك التي أجراها بن سلمان في مايو/أيار 2015، قبل انعقاد قمة كامب ديفيد لمناقشة العلاقات الأمريكية الخليجية، وزيارته الثانية في سبتمبر/أيلول الماضي، ضمن الزيارة التي قام بها الملك سلمان بن عبد العزيز، فالزيارة هي الأولى بعد إعلان رؤية السعودية 2030 التي يشرف عليها بن سلمان، فبحسب وزير التجارة والاستثمار السعودي، ماجد القصبي، فإن زيارة ولي ولي العهد، "ستتضمن توقيع عقود مع شركات عدة"، مشيراً إلى "ضرورة جذب استثمارات واعدة لخلق فرص لمرحلة ما بعد النفط".

ويزور الأمير بن سلمان العاصمة الأمريكية على رأس وفد وزاري اقتصادي وعسكري، وعقد قبل قيامه بهذه الزيارة اجتماعاً مع مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.

ويشرف هذا المجلس على تنفيذ "برنامج التحول الوطني 2020"، الذي يهدف إلى تنويع مصادر الدخل في المملكة، وخفض الاعتماد على إيرادات النفط، في ظل تراجع أسعاره عالمياً.

وبلغ حجم التبادل التجاري بين السعودية وأمريكا خلال الربع الأول من 2016 نحو 30.4 مليار ريال، حيث تعد السعودية الشريك التجاري الثاني عشر لأمريكا، فيما تعد أمريكا ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة، كما أن أمريكا حائزة أيضاً على أكبر حصة مـن الأسهـم للاستثمـار الأجنبـي المباشـر من السعودية.

عوائق في طريق العلاقة

وطفت على سطح العلاقة بين الطرفين مؤخراً أزمة من نوع آخر أزعجت المملكة، بعد أن أقر مجلس الشيوخ الأمريكي في 17 مايو/أيار مشروع قانون يتيح لعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول مقاضاة السعودية؛ من أجل الحصول على تعويضات.

وتزامناً مع زيارة بن سلمان هدد البيت الأبيض بالاعتراض على مشروع القانون، وقال مدير المخابرات المركزية الأمريكية، جون برينان، إنه يتوقع نشر 28 صفحة سرية من تقرير للكونغرس الأمريكي حول هجمات 11 سبتمبر/أيلول تبرئ السعودية من أي مسؤولية عن هذه الهجمات.

وتضغط المملكة في هذا الجانب من خلال ما كشفت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في 17 أبريل/نيسان، عن أن الحكومة السعودية هددت ببيع سندات خزانة وأصول أخرى بالولايات المتحدة قيمتها 750 مليار دولار، في حال إقرار الكونغرس مشروع قانون يحمّل المملكة مسؤولية معينة عن اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وينتظر أن تطلب الرياض تدخل واشنطن فيما تعتبره الأمم المتحدة انتهاكات من التحالف العربي في حربه للانقلابيين في اليمن، ولم تتوقف طيلة العام الماضي عن إصدار انتقادات وبيانات، انتهت بإدراج التحالف على اللائحة السوداء في انتهاكات حقوق الأطفال في النزاعات والحروب، وهو ما رفضه مجلس التعاون والحكومة اليمنية الشرعية، وتم رفع اسم التحالف لعدم كفاية الأدلة، قبل أن تعلن الأمم المتحد أنها لن تمد السعودية بمصادر المعلومات التي قادت إلى إدراج دول التحالف العربي بالقائمة "السوداء".

من جانب آخر لا يزال التقارب بين واشنطن وطهران مزعجاً للمملكة، وسط استمرار إيران بتدخلات مؤثرة في الخارطة السياسية للمنطقة، وهو ما كشفه السناتور كوركر، بقوله: إن الأمير بن سلمان "عبر عن قلقه تجاه انفتاح الولايات المتحدة على إيران، ومحاولات روسيا زيادة دورها في الشرق الأوسط"، بحسب رويترز.

وشهدت المواقف الأمريكية السعودية خلال الشهور القليلة الماضية موجة من المد والجزر، خصوصاً فيما يتعلق بالمخاطر الإيرانية المحدقة، التي عززتها التجارب الباليستية لطهران، رغم سريان الاتفاق النووي الموقع مع الدول الكبرى التي تتقدمها أمريكا، التي تكتفي بـ"القلق" والتحذير من النشاط الإيراني؛ وهو ما يقلق الخليج، الذي يمر بأزمة دبلوماسية مع إيران، وحروب مع أذرعها بالمنطقة (الحوثيون في اليمن وحزب الله اللبناني).

كما تبدو الرياض -التي حشدت عساكرها في قاعدة إنجيرليك التركية منذ أشهر- مستنكرة تراجع التحالف الدولي وواشنطن عن الترحيب بالتدخل العسكري السعودي في سوريا، بعد الاتفاق مع موسكو على هدنة لم تلبث إلا ساعات قليلة قبل أن يقتلها نظام الأسد دون تحرك ضده.

نفت وزارة الخارجية الأمريكية في 14 يونيو/حزيران، وجود أي توتر مع السعودية بسبب تحفظ الرياض على الموقف الأمريكي من النزاع السوري، الذي لطالما شكل مصدر اختلاف بين الحليفين.

وواجهت الدبلوماسية الأمريكية تساؤلات مرة جديدة حول العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن والرياض، غداة إفطار جمع بين وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، وولي ولي العهد السعودي.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، جون كيربي، في مؤتمر صحفي: "في حال سألتموني إذا ما كان هناك خلاف فلسفي كبير بين السعوديين والولايات المتحدة حيال كيفية المضي قدماً في الميدان في سوريا، فإن الجواب هو لا".

ويعتمد بن سلمان على أوراق السعودية الضاغطة اقتصادياً، وتحصيل الاستثمارات التي تخدم خطته لعام 2030، وتبقى قضايا المنطقة، وبخاصة التدخلات الإيرانية، والأزمة السورية، على رأس التطمينات الأمريكية التي ينتظرها وزير الدفاع الأمريكي.

الخليج اونلاين-