دول » السعودية

ما خطورة الخلافات الاستراتيجية بين القاهرة والرياض وتناقضات خطاب السيسي؟

في 2016/02/20

شؤون خليجية-

لا زال ملف "التدخل البري المحتمل في سوريا" اختبار ومقياس لحجم وعمق الخلافات السعودية المصرية التي انتقلت من ساحات التحليل والتكهنات إلى خانة التصريحات الرسمية لرئيس الدولة، في خطوة انسحابية مثلت انتكاسة لكل الوعود السابقة لنظام السيسي، وتلاشي مقولة "مسافة السكة" لكن المثير للجدل العودة للتلويح بها مجددا، مع تأكيد نفس الموقف الرافض للتدخل بسوريا، في تناقض لتصريحات النظام.

إلا أن الجديد التساؤل حول مدى تأثير هذه الخلافات الاستراتيجية حول مفهوم الأمن القومي والسيادة والتحركات العسكرية ودور التحالفات العربية الإسلامية الناشئة على التدخل المحتمل في سوريا، وشكل وأهداف التحالفات فيها مع اصطفاف النظام المصري بجانب حلف موسكو طهران، الأمر الذي يشكل خلل استراتيجي يصعب رأبه أو تجاوزه باعتبار مصر من أهم القوات البرية العسكرية التي كان هناك تعويل كبير على دورها في حسم مجال التدخل البري إن لزم الأمر، بحسب مراقبين.

ابتداء يشكل انحساب مصر من التدخل البري المحتمل في سوريا واعتباره شأنا سعوديا منفردا انسحاب مبكر ونفض القاهرة يدها مع ثاني اختبار جدي لدور القاهرة بعد عاصفة الحزم في اليمن، بما قد يضطر الرياض إلى البحث عن شركاء جدد في إطار المحور التركي العربي والتحالف الإسلامي العسكري لسد الفراغ المصري، والسؤال الأصعب ماذا لو احتدم الصراع أكثر في سوريا وصارت السعودية على خط المواجهة مع روسيا وإيران بالميدان؟   

عودة مقولة مسافة السكة

في تناقض مثير للجدل أوضح المتحدث الرسمي أن الرئيس المصري ذكر خلال لقاء وفداً من كبار الصحافيين والإعلاميين الكويتيين أمس الأربعاء "أن مصر لن تتوانى عن الدفاع عن أشقائها في الخليج في حالة تعرضهم لتهديد مباشر، مؤكداً على أن الجيش المصري هو جيش كل العرب، وأن عبارة "مسافة السكة" تعكس هذا المفهوم. وأكد على أن مصر لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى وأنها تحترم إرادة الشعوب، ولكنها قادرة على صد أي هجوم والرد على أي اعتداء أو تهديد مباشر سواء عليها أو على أشقائها، مستشهداً بموقف مصر إزاء الأحداث في ليبيا، حيث امتنعت عن التدخل في الشأن الليبي أو استغلال الأوضاع الصعبة للشعب الليبي للمساس بمقدراته، وكانت المرة الوحيدة التي قامت فيها مصر بعمل عسكري حين قامت التنظيمات الإرهابية في ليبيا بذبح 21 مصرياً.

مصر تنفض يدها

تراجع السيسي عن مقولة "مسافة السكة" باللقاء نفسه حيث أشار المتحدث الرسمي إلى أن اللقاء تطرق كذلك إلى الوضع في سوريا، حيث أكد السيسي أن الموقف المصري إزاء الأزمة السورية واضح ولم يتغير، ويتمثل في عدم التدخل في شؤون سوريا، واحترام إرادة شعبها، ومكافحة الإرهاب والعناصر المتطرفة، مع العمل على التوصل لحل سياسي للأزمة يحفظ وحدة وسلامة الأراضي السورية ويفسح المجال للبدء في جهود إعادة الإعمار.

الأمر نفسه أكده وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الثلاثاء بقوله إن "مصر تعتبر قرار السعودية بالتدخل البري في سوريا أمرا سياديا منفردا".، مضيفا بمؤتمر صحفي مع نظيره الكويتي أن "القرار السعودي لا يأتي في إطار القوة الإسلامية المشتركة لمواجهة الإرهاب".

وتكشف تصريحات وزير الخارجية المصري حجم التباين بين الموقفين المصري والسعودي فيما يتعلق بالتدخل العسكري في الأزمة السورية. إذ عبرت السعودية أكثر من مرة عن استعدادها لإرسال قوات برية إلى سوريا.

ففي مقابلة لوزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، مع قناة سي إن إن، الجمعة 12 فبراير 2016، جدد الجبير استعداد بلاده لإرسال قوات إلى سوريا قائلا "إذا قرر التحالف الدولي ضد "داعش" -والذي نحن جزء منه- إرسال قوات برية إلى سوريا -إلى جانب الحملة الجوية الحالية- فإن المملكة العربية السعودية مستعدة لإرسال قوة خاصة من أجل هذا المسعى".، ويتضح من تصريحات الجبير أن السعودية تربط إرسال قواتها البرية بمشاركة دولية ضمن قوات التحالف.

مصر ومحور بوتين خامنئي الأسد

بدوره يؤكد الدكتور سرحان العتيبي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود، في تصريحات صحفية أمس إن "مصر الآن ضمن محور يضم روسيا وإيران وسوريا، ولا يمكن للدور المصري الخروج عن هذا المحور، الموقف المصري لم يكن مفاجئا، فقد عبر مسؤولون مصريون عن آراء مماثلة من قبل، كان آخرها تصريحات وزير الخارجية المصري السابق، نبيل فهمي، والتي قال فيها إن مصر رفضت طلبا سعوديا بإرسال قوات برية إلى اليمن"، وأرجع الموقف المصري إلى أن "السياسة المصرية الحالية غير مستقلة وترتبط بتوجهات خارجية"..

ذريعة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ترفعها واشنطن وموسكو ومصر وإيران حقيقة أكدها الدكتور حسن أبو طالب، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في تصريحات صحفية بقوله إن "الدبلوماسية المصرية تنطلق من فكرتين رئيسيين: أولا. حماية الدولة السورية كمؤسسات من أن تقع بأيدي جماعات إرهابية مثل "داعش". ثانيا. دعم الخيار السياسي وأن يقرر الشعب السوري مصيره بنفسه، مشيرا إلى أن "عسكرة الصراع السوري يعقده ولا يسهم في علاجه، ويتجلى ذلك بوضوح عبر السنوات الخمس للأزمة".

يأتي الموقف المصري متناقضا مع ما تسعى إليه الرياض والتي تحشد تحرك عرب إسلامي ذاتي لمواجهة المد الإيراني بقدرات ذاتية فقد أعلنت السعودية في ديسمبر 2015 عن تحالف عسكري يستهدف الإرهاب يضم 34 دولة، من بينها مصر.

مع مناورات رعد الشمال بالسعودية بمشاركة 20 دولة عربية وإسلامية بدأت السعودية، الاثنين 15 فبراير  2016، مناورات جوية مشتركة مع تركيا تستمر لمدة خمسة أيام، مع تأكيد البلدين استعدادهما تكثيف عملياتهما ضد تنظيم "داعش". كما أعلنت تركيا عن وصول مقاتلات سعودية إلى قاعدة "إنجرليك" الجوية جنوبي تركيا من أجل زيادة وتيرة الهجمات على تنظيم "داعش".

وكانت السعودية من أكثر الدول تأييدا للنظام المصري الحالي، وقدمت له مساعدات مالية وتسهيلات اقتصادية بملايين الدولارات. إلا أن مراقبين يرون أن السياسة السعودية تجاه مصر تغيرت مع وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى سدة الحكم، إذ أصبحت السعودية أكثر تقاربا مع كل من تركيا وقطر، واللتين تشهد علاقتهما بالنظام المصري توترا كبيرا.