علاقات » عربي

اعتقالات الأمراء ورجال الأعمال تهز النفوذ السعودي في أفريقيا

في 2017/11/25

كوارتز-

لا تزال توابع الهزة التي أحدثتها حملة التطهير السعودية يتردد صداها في أفريقيا وفي جميع أنحاء العالم، مع تساؤل الشركات والأعمال التجارية العائلية حول مدى التأثير المدمر لهذه الهزة على أعمالهم وأصولهم واستثماراتهم طويلة الأجل.

وفي أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، تم القبض على أكثر من 200 شخص، بينهم أمراء ورجال أعمال بارزون ومسؤولون حكوميون سابقون، في ما وصفه المسؤولون بأنه تحقيق واسع النطاق لمكافحة الفساد. كما تم تجميد أكثر من 1500 حساب مصرفي للمشتبه فيهم، وفقا لما ذكرته صحيفة فايننشال تايمز، حيث سعت الحكومة إلى معالجة «الفساد المنهجي» واستعادة الأموال المختلسة.

وينظر إلى هذه الخطوة غير المسبوقة على أنها ضمن جهود ولي العهد «محمد بن سلمان» لتشديد قبضته على السلطة، حتى في الوقت الذي يقوم فيه بتحويل المملكة لوقف اعتمادها على النفط وتشجيع الاستثمار الأجنبي.

وهناك ما لا يقل عن اثنين من المليارديرات، من رجال الأعمال المحتجزين في تحقيقات الفساد، لديهم استثمارات واسعة النطاق في جميع أنحاء أفريقيا. واحد منهم هو الأمير «الوليد بن طلال»، رئيس مجلس إدارة المملكة القابضة، والتي لديها حصص كبيرة في تويتر وسيتي جروب وشركة ليفت. والآخر هو «محمد العمودي»، وهو من أب سعودي وأم إثيوبية، وأحد أغنى الملونين في العالم. وهما يديران معا استثمارات خاصة في جميع أنحاء أفريقيا، في مجالات الضيافة والزراعة وإنتاج الأسمنت وتعدين الذهب والعقارات وإنتاج النفط.

وكانت مشاريع رجال الأعمال في أفريقيا تحوز اهتمام دول الخليج الغنية مؤخرا، من خلال تمويل المشاريع في الأسواق الأفريقية. وبفضل النمو الاقتصادي السريع، وتحسين الحوكمة، وتزايد الاتجاهات الديموغرافية المستهلكة، تدفقت المزيد من الأموال الخليجية إلى القارة في العقد الماضي، ليس فقط في شمال أفريقيا، ولكن أيضا في جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية.

وبين عامي 2005 و2014، قدمت شركات الخليج ما لا يقل عن 9.3 مليار دولار في الاستثمارات الأجنبية المباشرة في جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية فقط، وفقا لتقرير وحدة الاستخبارات الاقتصادية لعام 2015. وكانت منطقة شرق أفريقيا هي الجاذب الرئيسي للمستثمرين الخليجيين، الذين جذبهم صعود الصيرفة الإسلامية والسياحة الحلال وتجارة التجزئة في كينيا، والتصنيع في إثيوبيا، وقطاع التعليم في أوغندا.

وبالنسبة للعمودي، أصبحت إثيوبيا مصدرا للأغذية والأراضي الصالحة للزراعة، حيث شكل تصاعد استهلاك الأغذية وندرة المياه تحديا لصانعي السياسات السعوديين. ومن خلال شركته النجم السعودي للتنمية الزراعية، استثمر العمودي في زراعة القمح والأرز والشعير في نصف مليون هكتار من الأراضي في محافظة غامبيلا في إثيوبيا. ولم يخل هذا المشروع من الجدل حوله في معهد أوكلاند التابع للولايات المتحدة، والذي قال إن المجتمعات المحلية قد أعيد توطينها قسرا، وتمت إزالة الغابات، وتم فقدان الأراضي الزراعية.

غير أن علاقته الوثيقة بالحزب الحاكم، التي تعود إلى التسعينات، تحمي مصالحه التجارية، كما يقول «هينوك غابيسا»، وهو زميل أكاديمي زائر في كلية الحقوق بجامعة واشنطن. وإلى جانب الزراعة، يعتبر رجل الأعمال السعودي الإثيوبي أكبر مستثمر أجنبي في إثيوبيا، ويمتلك ميدروك غولد، أكبر مناجم البلاد، والذي يجلب العملة الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها للبلاد. وأشار تسريب دبلوماسي من ويكيليكس، منذ عام 2008، إلى أن «كل مؤسسة ذات قيمة نقدية أو استراتيجية كبيرة خصخصت منذ عام 1994 قد انتقلت من ملكية حكومة إثيوبيا إلى إحدى شركات العمودي».

وقال «غابيسا»: «لم تجد النخب الحاكمة الإثيوبية صعوبة فى التعامل مع العمودي، حتى عندما كانت عملية الاستثمار مصابة تماما بالفساد والرشوة. ويبدو أنهم يحتاجون إلى العمودي أكثر مما يكرهون الفساد».

سعادة لدى مصر

وقال «عادل عبد الغفار»، الزميل في مركز بروكنغز الدوحة، إن اعتقال «العمودي»، الذي يبلغ من العمر 71 عاما، قد يسبب السعادة لدى مصر. ويرجع ذلك إلى تعهده بمبلغ 88 مليون دولار لتمويل سد النهضة، الذي سيصبح عند اكتماله أكبر سد في أفريقيا. وعلى الرغم من أن السد سيزيد من الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا، إلا أنه سيقلل إلى حد كبير حصة مصر من مياه النيل، وهي مسألة مثيرة للجدل بالفعل.

ومع ذلك تجد مصر نفسها متشابكة في عملية التطهير السعودية، التي استهدفت استثمارات «الوليد بن طلال» في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا. حيث تمتلك شركات بن طلال نحو 40 فندقا ومنتجعا في مصر، بالإضافة إلى 18 فندقا آخر لا تزال قيد الإنشاء، وفقا لرويترز. وفي أغسطس/آب، وعد أيضا بضخ 800 مليون دولار لتوسيع منتجع فور سيزونز في شرم الشيخ، بالشراكة مع مجموعة طلعت مصطفى القابضة. وبعد اعتقاله، رفضت مجموعة طلعت مصطفى أن يكون «بن طلال»، الذي يملك أيضا سلسلة من الفنادق في كينيا، مساهما في الشركة أو الاستثمار في أي من شركاته التابعة.

ولكن حتى في الوقت الذي تبحث فيه المجموعات العائلية ورجال الأعمال عن طرق لحماية أصولهم في الخارج عن متناول المملكة، قال «عبد الغفار» إن السلطات المصرية من المرجح أن تأخذ زمام المبادرة نيابة عن الحكومة السعودية. وأضاف: «إذا كانت هناك مصادرة (من قبل الحكومة السعودية)، فمن المحتمل أن تحذو الحكومة المصرية حذوها».

وصول حاسم

وبالإضافة إلى الاستثمارات الاقتصادية والمالية، يقول المراقبون إن علينا أيضا أن نراقب كيف سيثبت التصعيد السياسي في الرياض نفسه في عواصم أفريقيا. وإلى جانب الإمارات العربية المتحدة، قامت الدولتان بالفعل ببناء موانىء وقواعد عسكرية بطول القرن الأفريقي، من أجل توسيع نفوذها وتشديد الخناق على المتمردين الحوثيين في اليمن. ويحدث هذا مع قيام الأتراك والصينيين والأمريكيين بتعزيز مشاركتهم في المنطقة.

ويقول هاري فيرهوفن، الذي يحاضر في كلية العلاقات الخارجية في جامعة جورج تاون في قطر: «ما ترونه وما ستستمرون في رؤيته في العامين المقبلين هو التدخل المستمر، من حيث ما يراه (السعوديون) من مصالحهم الاستراتيجية على المدى الطويل».

ولكن نظرا لأن صندوق الثروة في المملكة، الذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات، يتطلع إلى تعزيز العائدات، يقول «غابيسا» إن السعوديين قد يستغلون الفرصة لاستخدام الاستثمار كأداة نفوذ ضد الدول الأفريقية. وهناك بلدان، مثل كينيا، في مفاوضات لتصدير العمال المهرة وشبه المهرة، مثل الممرضات والفنيين، إلى المملكة. وأضاف «غابيسا» إن هذا، على المدى الطويل، يسمح للسعوديين «بامتلاك النفوذ السياسي والاقتصادي الهائل للتأثير على الدول الأفريقية».