خاص الموقع

فرنسا وابتزاز الخليج

في 2018/02/07

أحمد شوقي- خاص راصد الخليج-

هل تظل منطقة الخليج فريسة للقوى الاستعمارية حتى باشكالها الناعمة؟

وهل سيرتضي الخليجيون بذلك وسط ازمات مالية منتظرة، سيساهم في تعميقها حل ازمات الغرب على حساب اموال الشعوب الخليجية؟

ربما يمكن تفهم الانفاق على بنود تسهم في حماية الأمن القومي، اما وان يتم الانفاق لمساعدة فوى استعمارية لحل مشاكل مالية، او للحفاظ على نفوذ في مناطق جيوسياسية خارجية، فإن الامر تنبغي امامه وقفة، ولا سيما وان تدخل القوى الاستعمارية وبمساعدات خليجية يغضب شعوب هذه المناطق، وهذه الشعوب هي الاولى بالمساعدة واولى بالصداقة واولى باعطاء نفوذ خليجي بديل عن الوكالة للنفوذ الاستعماري.

والحالة الفرنسية هي حالة استعمارية تليدة ومتجددة وان اتخذت اشكالا اكثر نعومة واقل شهرة وحدة من الحالة الامريكية، الا انهما لا تختلفان في كونهما حالة استعمارية.

والنفوذ الفرنسي في الخليج يحاول اعادة نفسه، ويصل للذروة في الحالة الاماراتية، حيث يتخذ قواعد عسكرية، وحيث تسهم الامارات في تمويل تمكين النفوذ الفرنسي في مناطق خارجية وتحديدا في الساحل الافريقي.

ومؤخرا تلقى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة اتصالاً هاتفياً من إيمانويل ماكرون رئيس جمهورية فرنسا، حيث بحث الجانبان خلال الاتصال علاقات الصداقة والتعاون بين دولة الإمارات وجمهورية فرنسا وسبل تعزيزها وتنميتها بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الصديقين.

وقدم الرئيس الفرنسي شكره وتقديره لدولة الإمارات العربية المتحدة، لمساهمتها الفاعلة في دعم القوة المشتركة لدول الساحل الإفريقي لمحاربة ومكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة.

وتفيد التقارير بأن فرنسا يربطها بدولة الإمارات "تعاون عملي عالي المستوى" وخصوصا أن أبوظبي تشارك منذ 2014 في التحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية.

وفي زيارة ماكرون الاخيرة للامارات، زار أكثر من 700 جندي فرنسي ينتشرون في الإمارات ويشارك بعضهم في العمليات في العراق وسوريا.

وقال الرئيس الفرنسي أمام القوات "لقد انتصرنا في الرقة، المدينة التي منها تم التخطيط وتنظيم والإشراف على الاعتداءات" التي خلفت 130 قتيلا في باريس في 13 نوفمبر 2015.

وأضاف "في الأسابيع المقبلة والأشهر المقبلة، أؤمن بأن الانتصار العسكري الكامل سيتحقق في المنطقة العراقية السورية".

وتتسارع وتيرة المبادلات الثنائية بين البلدين لحجم رهانات فرنسا في الإمارات. فقد التقى الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند خمس مرات ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بين 2012 و2016، كما قام وزير الخارجية الحالي جان إيف لودريان بما لا يقل عن عشر زيارات للإمارات حين كان وزيرا للدفاع.

ووصف قصر الإليزيه العلاقات الثنائية بأنها "وثيقة ومنتظمة ومتنوعة".

وباتت الإمارات "شريكا استراتيجيا أساسيا" لفرنسا في الشرق الأوسط، في تحالف قام بين البلدين في أعقاب حرب الخليج 1990-1991.

وتؤوي أبو ظبي الوجود العسكري الفرنسي الوحيد خارج البلاد باستثناء أفريقيا.

وينتشر نحو 700 عسكري ضمن "القوات الفرنسية في الإمارات العربية المتحدة" في قاعدة الظفرة إلى جنوب أبو ظبي، من حيث تنطلق طائرت رافال التي تقصف مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق، وفي قاعدة ميناء زايد البحرية قرب العاصمة، ويشبه هذا الوجود العسكري أحيانا بـ"حاملة طائرات ثانية" لفرنسا تسمح لها بالتواجد في منطقة الخليج وشمال المحيط الهندي، وهي منطقة استراتيجية يمر عبرها قسم كبير من التجارة العالمية.

وبالعودة لقضية الساحل الافريقي، فقد أعلنت دولة الإمارات مؤخرا عن تقديم مساهمة بقيمة 30 مليون يورو لدعم القوة المشتركة لدول الساحل الأفريقي لمحاربة ومكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة، جاء ذلك خلال مشاركة وفد الدولة برئاسة ريم بنت إبراهيم الهاشمي وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي في المؤتمر الدولي لدعم القوة المشتركة لدول الساحل الخمس «مالي وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا» في العاصمة الفرنسية باريس بحضور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورؤساء دول الساحل الأفريقي، بالإضافة لحضور المستشارة الألمانية ورئيس وزراء إيطاليا وبلجيكا ووزراء من الدول الداعمة.

وقضية الساحل الافريقي هي قضية حيوية لفرنسا، وكما يقول سمير قلاع الضروس في دراسة له، انه بالرغم من الامتداد الجغرافي لمنطقة الساحل الإفريقي على أراضٍ قاحلة، ودولٍ فقيرة، ومجتمعاتٍ متخلّفة ومتصارعة عرقيّاً وإثنيّاً، فإنّ المنطقة شكّلت مركز رهاناتٍ استراتيجيةٍ وحيوية، لكونها غنيةً بالثروات الطبيعية، والمصادر الحيوية، والطاقوية خاصّة.

وبالقراءة الجيواستراتيجية تُعتبر هذه المنطقة نقطة امتدادٍ جغرافيةٍ وحضارية، وعلى قدرٍ كبيرٍ من الأهمية الاستراتيجية، نظراً لتواصلها مع شمال إفريقيا، إفريقيا ما وراء الصحراء، ما أنتج اهتماماً متزايداً وكبيراً بها لدى القوى الكبرى، وبخاصة فرنسا: بالاعتماد على المحدّد التاريخي، والولايات المتحدة الأمريكية: بناءً على المعيار الواقعي، إضافة إلى الصين: بناءً على معطيات اقتصادية بحتة، ودول أخرى صاعدة: تسعى لتحقيق النفوذ في عمق القارة الإفريقية.

وقد خضعت دول الساحل للاستعمار الفرنسي نفسه، واستقلت: (النيجر، تشاد، مالي، موريتانيا) في السنة نفسها، أي 1960م.

واعتمدت فرنسا، لضمان بقائها وبقاء التبعية التاريخية والسياسية لها في هذه البلدان، على غرس الروح الفرنكفونية، حتى أصبح بعضٌ من دوائر القرار الفرنسي يسمّيها: (الساحل الفرنكفوني)، فكوّنت نُخباً سياسية تدين بالولاء لفرنسا؛ باعتبار أنّ هذه الأخيرة يطغى عليها مبدأ المصالح تجاه هذه البلدان، ومجمل هذه المصالح هي:

- المصالح الاقتصادية: القائمة على الموارد المعدنية والحيوية والبترولية.

- المصالح الثقافية: من خلال غرس القيم الفرنسية.

- المصالح السياسية: بناءً على مبدأ كسب الأصوات لصالح فرنسا في المنظمات الدولية.

الا ان هناك غضبا شعبيا، ونرى ان هذا الغضب سيطال الدول الداعمة للتمكين الاستعماري.

فمن أهداف التواجد العسكري الغربي في المنطقة رغبة تلك الدول في السيطرة على الثروات الإفريقية والوقوف أمام القوى الإقليمية الصاعدة على غرار الجزائر وإبعاد الدول المنافسة الجديدة وفي طليعتها الصين والهند والبرازيل وتركيا.

وكما تفيد التقارير فإن الشعور المناهض لتواجد القوات العسكرية الأجنبية هو السائد  لدى الرأي العام في كل الدول المضيفة وعلى وجه الخصوص النيجر التي تشكل القاعدة الخلفية لعملية "باركان" الفرنسية ومنصة المراقبة للولايات المتحدة في المنطقة التي تعرضت لاعتداءات مسلحة متكررة، على حد تعبير، "جورج بير جيزان"،  الباحث والمحلل المتخصص في قضايا إفريقيا جنوب الصحراء.

 وإذا كان تدني القدرة التشغيلية لدول منطقة الساحل من مبررات الاستعانة بالتعاون الوثيق بينها وبين الدول الغربية إلا ان البديل البديهي هو تعزيز فعالية القوات الأهلية للدول المعنية للقيام بالدفاع عن بلدانها والحفاظ على أمن أراضيها.

هل يمكن للخليج ان يصبح داعما للتحرر الوطني بدلا من ان يصبح داعما وممولا لتمكين الاستعمار؟ هذا هو المطلوب لان الاستعمار يبتز الخليج وثروات شعوبه، كما ان الشعوب المضطهدةوالغاضبة ستصب جام غضبها لا على الاستعمار وحده، بل ايضا على مموليه.