السلطة » خلافات سياسية

هل يمكن إعفاء بن سلمان من منصب ولي العهد؟

في 2018/11/23

عماد حسن- DW- عربية-

تداعيات مقتل الصحافي خاشقجي والاتهامات التي وجهت لولي العهد بن سلمان فتحت المجال للتساؤلات حول مستقبله السياسي، وما إذا كان الغرب على استعداد للعمل مع ملك المستقبل، الذي تلطخت صورته، دون أن تتأكد مزاعم علاقته بالجريمة.

تتزايد الضغوط يوماً بعد يوم على المملكة العربية السعودية وقيادتها السياسية. ضغوط وصلت إلى الحد الذي جعل رويترز تنشر تقريراً حول تململ متزايد في العائلة المالكة السعودية ووجود رغبة متصاعدة في إبعاد الأمير عن كرسي حكم المملكة، كما بدأت تظهر أسماء مرشحة لتحل محله في منصب ولاية العهد.

لكن ومع بدء ظهور أسماء مرشحة لمنصب ولي عهد المملكة وتزايد الضغوط الإقليمية والدولية في هذا الشأن، هل يمكن وفق القوانين السعودية أن يتم استبعاد ولي العهد من منصبه؟

نظام الحكم في السعودية

تُحكم السعودية وفقاً للنظام الملكي الوراثي بين أبناء الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود وأبناء الأبناء دون تدخل من الشعب في ذلك ودون تحديد لمدة الحكم.

وعبر تاريخ المملكة لم يكن هناك دستور مكتوب لأن المرجع الذي اتخذ كأساس للحكم هو القرآن والسنة كدستور أعلى للبلاد.

لكن مسألة تغيير ولي العهد ليست بالأمر الهين، خصوصاً وأن الملك -سلمان- لا يزال على قيد الحياة. فآليات انتقال الحكم في المملكة محددة بما ورد في النظام الأساسي الصادر في عام 1992، وكذا فإن الأمر منوط بـ"هيئة البيعة" التي أصدر الملك عبد الله بن عبد العزيز قراراً بإنشائها في 2006 والتي تقوم باختيار الملك وولي عهده.

وتنص المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم – يشبه الدستور – على أن "نظام الحكم في المملكة العربية السعودية ملكي، ويكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويتولى ولي العهد سلطات الملك عند وفاته حتى تتم البيعة".

إلا أن الملك سلمان قام بتعديل تلك المادة لتصبح "يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكاً وولياً للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس"، الأمر الذي يعني أن للملك سلمان بحكم كونه أحد أبناء الملك عبد العزيز الحق في تسمية ولي العهد، على أن هذا الحق لا يمتد للأمير محمد ابنه إن هو تولى الحكم من بعده.

ويتم اختيار ولي العهد وفق النظام الأساسي والذي ينص على أن "يختار الملك بعد مبايعته وبعد التشاور مع أعضاء هيئة البيعة، اسماً أو أكثر ممن يراه لولاية العهد، ويعرض هذا الاختيار على الهيئة، وعليها بذل الجهد للوصول إلى ترشيح واحد من هؤلاء بالتوافق لتتم تسميته وليا للعهد، وفي حالة عدم ترشيح الهيئة لأي من هؤلاء فعليها ترشيح من تراه ولياً للعهد".

هيئة البيعة

وفي دراسة تفصيلية عن هيئة البيعة في المملكة، كتبها الدكتور إبراهيم محمد الحديثي الأستاذ المشارك في قسم القانون العام بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود، أشار إلى أن الهيئة نشأت في عام 2006 بأمر ملكي وهي مجلس مكون من أبناء الملك عبد العزيز أو أحفاده وتؤخذ القرارات فيها بالتصويت وجلساتها سرية. والملك وولي عهده ممثلان في المجلس ويرأس الهيئة أكبر أبناء الملك عبد العزيز آل سعود سناً وهو من يدير اجتماعات الهيئة حتى بحضور الملك أو ولي العهد. وكان آخر رئيس للهيئة هو الأمير مشعل بن عبد العزيز والذي توفي في 2017 ومن وقتها لم يعين أحد في منصبه.

ويتعلق عمل هيئة البيعة بشكل أساسي بولي العهد ولذا فهي أهم هيئة داخل المملكة، ولا يتصل عملها بمنصب الملك إلا في حالات خاصة مثل وفاة الملك وولي عهده في وقت واحد أو عدم قدرة الملك على أداء مهامه لظروف صحية.

منصب ولي العهد

كان الهدف الأساسي من إنشاء هيئة البيعة هي تحديد ولاية العهد وهو المنصوص عليه في الفقرة الرابعة من المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم. ويضمن منصب ولي العهد عدم وجود فراغ دستوري حال غياب الملك، كما أنه يمنع أي خلاف قد ينشأ بين أفراد الأسرة الحاكمة بشأن منصب الملك.

ويرشح ولي العهد إما من الملك أو هيئة البيعة فقط وللملك أن يختار ولي عهده إما بحسب السن أو الكفاءة، وهذه النقطة نصت عليها الفقرة (ب) من المادة الخامسة من النظام الأساسي. ويتم اختيار ولي العهد في مدة لا تتجاوز 30 يوماً من تاريخ مبايعة الملك. وتواتر ملوك السعودية على أن يكون أولياء عهدهم من إخوانهم الأكبر سناً فالذين يلونهم.

واختيار اسم المرشح لولاية العهد أمر مطلق بالنسبة للملك لكن هناك قيد على الملك وهو ضرورة مشاركة مجلس العائلة الحاكم في اختيار ولي العهد، وإذا ما رفضت هيئة البيعة الأسماء التي رشحها الملك لأسباب موضوعية فعلى الهيئة ترشيح أسماء أخرى وعلى الملك ترشيح أسماء أخرى بدوره ليدخل المرشحون التصويت ويفوز بالمنصب الأكثر حصداً لأصوات هيئة البيعة. ولم يحدث على مر التاريخ أن رفضت الهيئة مرشح الملك لولاية عهده.

منصب ولي ولي العهد

هو منصب استحدثه الملك عبد الله بن عبد العزيز في عام 2014  ولم يُشر إليه في النظام الأساسي للحكم ولا نظام هيئة البيعة. ويقوم الملك بتعيين ولي ولي العهد والذي يصبح تلقائياً ولياً للعهد حال أصبح منصب ولي العهد شاغراً وليس للهيئة في هذه الحالة أن تتدخل في هذا الاختيار.

كان أول من تولى هذا المنصب الأمير مقرن بن عبدالعزيز آل سعود وكان الأمير سلمان – الملك الحالي – ولياً للعهد وقتها. لكن بعد تولي الملك سلمان حكم المملكة قام بإصدار قرار بإعفاء الأمير مقرن من منصبه "بناء على رغبته" ليتولى ابنه الأمير محمد بن سلمان منصب ولي ولي العهد فيما كان الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد وهو الذي أزيح فيما بعد من منصبه ليصبح الأمير محمد بن سلمان وليا لعهد المملكة العربية السعودية.

وكان الأمير محمد بن سلمان قد شن حملة قال إنها تهدف لمكافحة الفساد، طالت عدداً كبيراً من الأمراء. لكن بعض المنتقدين قالوا إن أحد أهداف الحملة كان إقصاء أي معارضين محتملين لتولي ولي العهد منصب الملك مستقبلاً.

هل يمكن إعفاء ولي العهد من منصبه؟

لا يوجد لا في النظام الأساسي للحكم ولا في نظام هيئة البيعة أي بند يتحدث عن هذا الأمر وبالتالي فالأمر منوط بشكل أساسي بالملك ثم بهيئة البيعة، فإن هما ارتأيا ضرورة لعزل ولي العهد ولأسباب شديدة الجوهرية وفق الدراسة التفصيلية التي نشرها الدكتور إبراهيم محمد الحديثي، وهذا الأمر يخرج منه مسألة العجز الصحي وتنازل ولي العهد عن منصبه.

في هذا السياق ينفي الدكتور محمد آل الزلفه العضو السابق لمجلس الشورى السعودي لــ DW عربية إمكانية عزل ولي العهد ويؤكد على أن البيت الداخلي السعودي تم ترتيبه واختيار الملك وولي عهده وأن الأمر منتهٍ ولا مجال لتغييره.

يتفق مع هذا الرأي المعارض السعودي البارز الدكتور سعد الفقيه رئيس الحركة الاسلامية للإصلاح والمعارض السعودي البارز المقيم في لندن ولكن بطريقة مختلفة تماماً، حيث يرى في مقابلته مع DW عربية أن النظام الاساسي للحكم في المملكة تم تجاوزه عدة مرات وأن هيئة البيعة مجرد شكل صوري وأنه من المستحيل أن يضحي الملك سلمان بابنه ويبعده عن ولاية العهد.

ويستدل على تجاوز الأسرة الحاكمة سابقاً لنظام الحكم الأساسي بتعيين الأمير نايف ولياً للعهد بعد وفاة الأمير سلطان حيث كان ينبغي أن تنعقد الهيئة ويتم التصويت سرياً، لكن ما حدث هو أن الملك جمع أعضاء هيئة البيعة عنده في قصره بالمخالفة للنظام الأساسي ولم يجرٍ أي تصويت وأخبرهم باختياره للأمير نايف ولياً للعهد وسألهم إذا كان هناك من يعترض على الاختيار فحاول الأمير طلال الاعتراض فواجه انتقادات عنيفة.

وتابع قائلا "إنه حين مات الأمير نايف وعين الأمير سلمان ولياً للعهد في أيام الملك عبد الله لم تجتمع الهيئة وإنما قام خالد التويجري رئيس الديوان الملكي بالاتصال ببعض أعضاء هيئة البيعة (50 بالمئة + 1) وأخبرهم أن الملك عبد الله اختار الأمير سلمان ولياً للعهد وبالطبع طالما هو اختيار الملك فمن الصعب جدا الاعتراض عليه". 

سيناريوهات التغيير

وتتضاءل فرص التغيير التلقائي من الداخل السعودي دون وجود دعم غربي قوي وتحديداً من جانب الولايات المتحدة، وفق ما يرى المعارض السعودي الدكتور سعد الفقيه، الذي يرى أنه "لو أعلنت الولايات المتحدة أن محمد بن سلمان هو من أصدر القرار بقتل جمال خاشقجي وأن واشنطن لا تستطيع أن تتعامل مع قاتل فأتوقع أن العائلة ستتحرك جدياً وتطيح بمحمد بن سلمان خصوصاً لو  أعلن أحد الأمراء ومعه عدد من أفراد الأسرة الحاكمة توليه مقاليد الحكم في البلاد".

وأضاف أن "وقتها ستنحاز لهذا الأمير قطاعات الدولة المهمة مثل الجيش والحرس الملكي والحرس الوطني بجانب القيادات الدينية والقبيلة وكل هؤلاء لديهم تململ هائل من وجود بن سلمان في الحكم واحتمال تصعيده ملكاً".

واختتم حديثه بالقول إنه رغم تصاعد الغضب بسبب قضية خاشقجي داخل بيت الحكم السعودي إلا أن "جهود الأمراء في هذا الشأن مشتتة للغاية، ولا توجد قيادة موحدة لهم ما يصعب من مسألة التغيير".