علاقات » اوروبي

"مرت بأزمة عنيفة".. هل تعود علاقات الرياض وأوتاوا إلى سابق عهدها؟

في 2023/05/26

يوسف حمود - الخليج أونلاين- 

يبدو أن الأزمة التي مرت بها العلاقات بين السعودية وكندا، خلال الـ5 سنوات الماضية، والتي شملت طرد الممثلين الدبلوماسيين، قد وصلت إلى نهايتها مع إعلان الرياض عودة العلاقات رسمياً.

وشهدت العلاقات السعودية - الكندية أزمة دبلوماسية حادة، على أثر انتقادات حقوقية وجهتها الخارجية الكندية، وسفارة كندا في الرياض، بسبب حملة اعتقالات شملت ناشطين وناشطاتٍ في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، ليأتي الرد بإجراءات عقابية من السعودية.

ولعل الخطوة تأتي -وفق مراقبين- في سياق سلسلة من التحركات الدبلوماسية السعودية في الآونة الأخيرة، لتصفير الخلافات والمشاكل، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت العلاقات ستعود لسابق عهدها، أم أنها ستكون بشكلٍ محدود؟

عودة العلاقات

بعد نحو شهرين من إعلان عودة العلاقات بين السعودية من جهة، وإيران والنظام السوري من جهة أخرى، أعلنت الرياض (26 مايو 2023)، استئناف العلاقات الدبلوماسية مع كندا، بعد ما يقرب من 5 سنوات على قطعها إثر أزمة بين البلدين.

وقالت الخارجية السعودية، في بيان رسمي، إنه في ضوء ما بُحث بين ولي العهد محمد بن سلمان ورئيس وزراء كندا جاستن ترودو، "فقد تقررت إعادة مستوى العلاقات الدبلوماسية مع كندا إلى وضعها السابق".

ولفتت إلى أن تلك المباحثات بين ولي العهد السعودي ورئيس وزراء كندا "أجريت على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ APEC في بانكوك، بتاريخ 18 نوفمبر  2022".

كما أشارت إلى أن إعادة العلاقات لطبيعتها تأتي بناء على "رغبة من الجانبين في عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة".

من جهتها أعلنت وزارة الخارجية الكندية تعيين جان فيليب سفيراً جديداً لكندا لدى السعودية.

قصة الخلاف

بدأت حكاية الخلافات بين البلدين في 2 أغسطس 2018، حينما أعربت وزارة الخارجية الكندية، عبر تغريدة على حسابها في "تويتر"، عن قلقها بشأن حالة حقوق الإنسان في السعودية، جاء فيها: "تشعر كندا بقلق بالغ إزاء الاعتقالات الجديدة لناشطي المجتمع المدني وحقوق المرأة في المملكة العربية السعودية"، داعية إلى إطلاق سراحهم.

عقب ذلك أعادت كندا نشر الموقف نفسه باللغة العربية على حساب سفارتها في الرياض، في 5 أغسطس 2018، ما أدى إلى تفجر الأزمة.

لكن الرياض لم تسكت عن ذلك، فقد أصدرت خارجيتها بياناً اعتبرت فيه الموقف الكندي تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للمملكة، "مما يستدعي رداً مناسباً"، تمثل في استدعاء سفيرها في كندا، واعتبار سفير الأخيرة "شخصاً غير مرغوب فيه"، وإمهاله أربعاً وعشرين ساعة لمغادرة البلاد.

ويضاف إلى ذلك أن الرياض أعلنت تجميد التعاملات التجارية والاستثمارية كافة بين البلدين، مع احتفاظ المملكة بحقها في إجراءات أخرى تتخذها مستقبلاً، فيما طالب وزير خارجيتها آنذاك، عادل الجبير، كندا بالاعتذار عن "تدخلها في الشؤون الداخلية" لبلاده.

وعبر رئيس الوزراء الكندي صراحة عن عدم وجود نيةٍ للاعتذار لديه، معتبراً أن الأمر لا يعدو أن يكون اختلافاً دبلوماسياً في وجهات النظر، مجدداً المطالبة بالإفراج عن المعتقلين.

مزيد من الوقت

يرى الباحث في العلاقات الدولية علوي عبد الجبار، أن عودة العلاقات بين البلدين "تحتاج إلى مزيد من الوقت لتعود لما كانت عليه سابقاً قبل أزمة 2018".

ويؤكد "عبد الجبار" في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن الرياض تتعامل في الآونة الأخيرة مع الأزمات التي كانت طرفاً فيها، "تماشياً مع التحديات الإقليمية والمستجدات الدولية والوصول إلى صفر مشاكل مع المحيط أولاً، ثم مع بقية دول العالم".

ويشير إلى أن عودة العلاقات مع أي بلد "تحتاج إلى مزيد من الوقت لكسب الثقة بين الجانبين، وترتيبات مختلفة بحيث تعود العلاقات في إطار تفاهمات تمنع من عودة التوتر مجدداً، وبما يحافظ على طبيعة العلاقات الدبلوماسية بين أي بلدٍ وآخر".

ويعتقد أن كندا "أخطأت بمنطق دبلوماسي في قضية تدخلها في الشؤون الداخلية في السعودية، وأن الغضب السعودي كان محقاً"، إلا أنه يرى أن تلك الخطوة "ربما تسرعت فيها السعودية قليلاً في قطع العلاقات، وكان يمكن الاكتفاء بعدة خطوات تحذيرية".

وحول الجانب الاقتصادي يشير الباحث إلى أنه تأثر نسبياً، لافتاً إلى أن بعض الاتفاقيات بقيت كما هي دون تأثير؛ "كحال النفط الذي تبيعه السعودية لكندا، وعودة اتفاقيات بيع الأسلحة للسعودية كما حدث في عام 2020".

وعن احتفاء الإعلام السعودي والناشطين بنجاح السعودية في إجبار كندا على التراجع عن خطئها، يقول عبد الجبار: "لا يمكن الحديث عن انتصار أي طرف لأن الجميع لا يعرف كيف تم الاتفاق، خصوصاً أن كندا كان موقفها مستمراً بشكل صريح حتى مطلع 2021، حينما منحت الناشط السعودي رائف بدوي الجنسية الكندية لكي تتمكن من التدخل في ملفه بصفته مواطناً كندياً".

وأفرجت السلطات السعودية عن بدوي في مارس 2022، وأقرت إبقاءه تحت الإقامة الجبرية وعدم السماح له بمغادرة السعودية قبل 10 سنوات.

آثار الأزمة

إلى جانب قطع العلاقات الدبلوماسية، فإن الإجراءات السعودية تسببت بتجميد رحلات الطيران السعودي إلى مدينة تورنتو الكندية، وهي الرحلات التي يستقلها المواطنون الكنديون المسلمون من أجل أداء فريضة الحج.

كما أعلنت تجميد التعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة بين السعودية وكندا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين ثلاثة مليارات دولار في عام 2017، بحسب إحصاءات الحكومة الكندية، كما توقفت السعودية عن شراء القمح والشعير من كندا.

وكذلك أوقفت الرياض التدريب والابتعاث والزمالة إلى كندا، ونقلت المبتعثين إلى دول أخرى، والذين يبلغ عددهم 12 ألف سعودي، بينهم سبعة آلاف طالب وطالبة، والبقية مرافقون أو أفراد أسر المبتعثين.

لكن ذلك لم يؤثر في إمدادات النفط السعودية نحو كندا؛ فقد أعلن وزير الطاقة السعودي السابق خالد الفالح (أغسطس 2018)، أن السياسة النفطية الحالية للمملكة تهدف إلى عدم تعريض الإمدادات النفطية التي توفرها الرياض لدول العالم لأي أزمات سياسية.

وعلى الرغم من تراجعها سابقاً، فقد عادت التعاملات التجارية للزيادة مجدداً، حيث بلغت الصادرات الكندية إلى السعودية عام 2021 أكثر من 2.2 مليار دولار، والواردات 2.4 مليار دولار.

وتعتبر الواردات الكندية من السعودية مصنوعة بالكامل تقريباً من النفط والبتروكيماويات، في حين كانت 81% من صادراتها من معدات النقل، وتنوعت بقية الصادرات بين الآلات والمعدات الإلكترونية والكهربائية والأدوات البصرية والطبية والدقيقة والأسلحة.