دول » عُمان

الميزانية العامة وأهمية الموازنة الدقيقة

في 2016/01/02

رأي الوطن العمانية-

تؤكد الأرقام التي وردت في الميزانية العامة للدولة التي تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بالتصديق عليها أمس بموجب المرسوم السلطاني رقم (2/2016) عزم الحكومة على المضي قدمًا في تنفيذ خطط التنمية في بلادنا بخطى ثابتة وملموسة وبخاصة خطط الخمسية التاسعة التي تفضل جلالته ـ أيده الله ـ باعتمادها بموجب المرسوم السلطاني رقم (1/2016)، حيث تطرح تلك الأرقام تأكيدات على ذلك، وضمان صيرورة مسيرة التنمية حسب الخطط الموضوعة لها، مواجهة في ذلك كل التحديات والتنبؤات بوجود صعوبات اقتصادية مستقبلية.
لا شك أن المنحى التراجعي لأسعار النفط منذ منتصف العام الماضي فرض واقعًا جديدًا على الاقتصاد العالمي، وجعل المحك الحقيقي يتمثل في كيفية التعامل مع تأثيرات هذا التراجع، لا كيفية تجنب هذه التأثيرات، وهو الأمر الذي تحقق فيه السلطنة نتائج طيبة وفق ما تشير الإحصائيات والأرقام وسياسة المصارحة التي دأبت حكومة السلطنة على انتهاجها مع المواطنين.
والواقع أن كل موازنات العالم تواجه ما تواجهه من تحديات، والموازنة العامة للدولة في بلادنا ليست بمعزل عن هذه التحديات، فلغة الأرقام والنسب المئوية والمقارنات بينها هي هي، والتحديات الخارجية والداخلية التي تعترض أي موازنة هي هي، فقد أصبح العالم قرية صغيرة تجوب أرجاءه أفكار اقتصادية ومالية عابرة للقارات، لذلك تقاربت كثيرًا سبل التعامل مع مفردات الموازنات العامة للدول من حيث هي أرقام تقديرية في مواجهة أرقام معاكسة، ثم سبل التدخل لإحداث تلك (الموازنة) الصعبة بين أطراف المعادلات العديدة التي تواجه بعضها بعضها ـ فائض أو عجز ـ زيادة إنفاق أو الإقلال منه. إنفاق على قطاع الخدمات أم القطاعات الإنتاجية إلى غير ذلك مما يحير أعتى الاقتصاديين وواضعي الخطط المالية في العالم.
وحسب معالي معالي درويش بن إسماعيل البلوشي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية، فإن جملة الإيرادات المقدرة لعام 2016م تبلغ )6ر8) مليار ريال عماني، في حين يبلغ حجم الإنفاق العام المقدر 9)ر11( مليار ريال عماني، بعجز مالي مقدر بحوالي (3ر3). فهذه الأرقام تبين حجم التحدي بالمقارنة مع السنوات الماضية، ومدى التصميم على الموازنة بين احتياجات التنمية الشاملة والحاجات المعيشية للمواطن بما يحافظ على الوتيرة ذاتها.
وإزاء هذا الراهن بتراجع أسعار النفط وخاصة في جانبه المفتعل الذي أنشب مخالبه لمحاربة أقوات الشعوب والتضييق على عيشهم، فإن الثقة كبيرة ـ كالعادة ـ في قدرة الحكومة على تجاوز هذه التحديات انطلاقًا من التوجيهات السامية والإيمان العميق بالحكمة الكبيرة وبُعد النظر لدى جلالة السلطان المعظم ـ أيده الله ـ في اجتراح الحلول المجدية، وضرورة التحرك بشكل لافت وسريع إلى المصادر البديلة والإقدام على تنويعها، وما من شك أن من استطاع أن يحافظ على الاقتصاد الوطني في أكبر محنة اقتصادية يشهدها العالم وهي الأزمة المالية العالمية الماضية، فإنه ـ بعون الله وتوفيقه ـ قادر على تجاوز هذا الطارئ، ما دام الأمل والثقة رداء تدثرت به بلادنا طوال سني النهضة المباركة.
على أن تصوير الوضع في ظل المعالجات التي تتخذها الحكومة لحماية الاقتصاد الوطني والوضع المعيشي العام بأنه أزمة أو التهويل منها، هو تصور يجانب الحقيقة والصواب، فما تمر به السلطنة لم يرتقِ إلى مستوى كلمة الأزمة، بل إن ما نمر به هو حالة طبيعية في ظل اقتصاد عالمي، ليس في أفضل أحواله، بل إن السلطنة قد مرت بذلك من قبل وتعرضت أسعار النفط لهزات أعنف، لكنها احتفظت بمعدلات نموها تقريبا.
وعلى الرغم من معضلة أسعار النفط، فإن السطنة ـ والحمد لله ـ لا تزال تملك قطاعًا مصرفيًّا راسخًا، ووضعًا ماليًّا مستقرًّا إلى أبعد مدى، ما يدعو إلى الاطمئنان. أما حتمية الإجراءات الجديدة فهي استباقًا لأزمة قد تحدث في السنوات القادمة ـ لا سمح الله ـ إذا ما استمر عجز الموازنة على هذا الحال خصوصًا وأن العجز الحقيقي في 2015 وصل لحوالي 4.5 مليون ريال عماني، وهذا ما دفع الحكومة نحو تلك الإجراءات التي يراها البعض صعبة، لكنها كانت الخيار الأنجع، فبديلها يكون باستنزاف الاحتياطي السيادي، أو الاتجاه إلى الاقتراض الذي ستشكل فوائده عبئًا إضافيًّا على ميزانيات الأعوام القادمة، فضلًا عن أصل الدين؛ لذا كانت التوجه الحكومي بإشراك المواطن بشكل نسبي في أعباء الحالة التي تمر بها السلطنة نتيجة انخفاض أسعار النفط. كما أن التخفيض المطلق في الإنفاق الحكومي، وتأجيل كل المشاريع الكبرى، فإن هذا سيضع السلطنة رهينة لأسعار النفط مجددًا، فيما توصف الحالة الحالية بعنق الزجاجة التي ستخرج السلطنة من قفص النفط المخملي، لرحابة التنوع الاقتصادي، الذي تستطيع من خلاله دعم الميزانية وزيادة النمو دون الاعتماد الكلي على النفط؛ لذا فتأجيل تلك المشاريع يؤجل حلم التنوع والانعتاق من النفط، فحتمية التوجه نحو إتمام تلك المشاريع، من خلال الشراكة مع القطاع الخاص، لهو السبيل الأفضل لدعم التقدم في هذا الطريق، بالطبع مع الوقف المؤقت للمشاريع غير الملحة في ظل الوضع الحالي.
ويبقى على الحكومة أن تعمل سريعًا على تنويع مصادر الدخل وتواصل جهودها التي تبذلها من أجل حماية الأسواق من الجشع والاحتكار والمغالاة وغير ذلك، ومن مستغلي الأوقات الحرجة.