ملفات » إعدام الشيخ نمر باقر النمر

لماذا يتجاهل الإعلام الدولي الجانب الجنائي في حد القصاص؟

في 2016/01/05

فهد عامر الأحمدي- الرياض السعودية-

قضيت ليلتي البارحة أتابع القنوات الإعلامية الدولية ودراسة ردود أفعالها تجاه حد القصاص الأخير.. وللأسف الشديد تجاهل معظمها أن للقضية جانباً جنائياً، وقدمتها في قالب سياسي أو مذهبي أو ادعاء التخلص من معارضين.. تجاهلت وجود ضحايا مدنيين، وتفجير أحياء سكنية، وعمليات قتل جماعية قام بها أفراد هذه المجموعة أو حرضوا على القيام بها..

وأبرز مغالطة لمستها من الإعلام الدولي (ناهيك عن الأبواق الإيرانية) تقديم القضية كصراع مذهبي بسبب القصاص من نمر النمر.. تجاهلت أن القضاء السعودي حكم أيضاً على ستة وأربعين آخرين ينتمون للمذهب السني.. أستغرب كيف تدعي ذلك وسائل إعلام أميركية (مثل نيويورك تايمز وفوكس نيوز) التي كانت تتهم المملكة بالتهاون مع الإرهابيين الذين قتلوا مواطنين أميركيين في تفجيرات الخبر والمكتب العسكري في الرياض.. غير أنها راهنت (مثل وسائل كثيرة غيرها) على ذاكرة العالم الضعيفة التي نسيت أمر الضحايا المدنيين خلال سنوات المحاكمة الطويلة التي تدل من جهة أخرى على تأني وحرص النظام العدلي في السعودية..

أما الحملة الإيرانية ضد السعودية فكانت تنضح بالنفاق والطائفية كونها لم تتحدث أبداً (حتى لو من باب الكذب والمداهنة) عن حد القصاص الذي طال أيضاً بقية السعوديين واثنين من الجنسيات الأخرى.. تجاهلت أن نمر النمر مواطن عربي سعودي ولد على هذه الأرض ويخضع لقوانين الشرع (التي يعرفها جيداً) ودفاع إيران عنه ليس سوى نفاق سياسي ومحاولة لإثارة الفوضى بين المتشددين من الطرفين..

من يريد رؤية الأمور بوضوح فليستثنِ الصراعات المذهبية والمعارضة السياسية من هذه القضية.. ليتذكر جانبها الجنائي الذي ذهب ضحيته مدنيون (في تفجير أحياء أشبيلية، والحمراء، والواحة، وفينيل) ورجال مرور ودوريات ومباحث وجنود طوارئ.. ليتذكر أن تفجير مجمع المحيا السكني استهدف عمداً مواطنين عرباً ومسلمين سنة في شهر رمضان المبارك.. ليخبرنا كيف سيتصرف هو لو تعرض لغزوات انتحارية تستهدف مطار عرعر ومصفاة بقيق وقاعدة الملك خالد والقنصلية الأميركية..

ألم يلاحظوا أن السعودية لم تقتل الجناة في زمن الحادث أو موقع الجريمة (كما فعلت فرنسا مثلاً مع هجمات باريس، وأسبانيا مع تفجيرات القطارات، وأميركا مع تفجيرات بوسطن وكاليفورنيا)..

لو كانت السعودية دولة بوليسية أو قمعية لما احتاجت لمحاكمتهم أصلاً (كونهم سيموتون بطريقة غامضة خلال المواجهات العسكرية أو في حوادث وفاة لاحقة دون إثارة الشكوك).. لو فعلت مثل فرنسا وأسبانيا وقتلت الإرهابيين في منازلهم لما تلقت مثل هذا التقريع الإعلامي.. لو أرسلت مثل أميركا فرق كوماندوز (وطائرات بلا طيار) تغتال بلا محاكمة لما سمعنا كل هذا الضجيج.. غير أنها قبضت عليهم أحياء وأخضعتهم لمحاكمات تضمنت محامين وثلاثة مستويات من التقاضي وأكثر من عقد كامل من المراجعة والتدقيق والاستئناف ثم أقرت براءة بعضهم، وأدانت بعضهم الآخر بناء على حيثيات جنائية موثقة شاهدها العالم أجمع..

... جميعنا يعرف أنه يتبقى (خارج مجموعة ال47) معارضون وإرهابيون ومتهمون لم يشملهم حكم القصاص أصلاً.. ومن يعرف كيف تتعامل وزارة الداخلية مع هذه الفئة يدرك أن من تم إعدامهم هم "رؤوس الفتنة" ومن قتلوا الآخرين بأيديهم فقط.. يدرك أن من تم القصاص منهم هم "جبل الجليد" وأن هناك موقوفين أصغر شأناً تتعامل معهم وزارة الداخلية بالحسنى من خلال برامج المناصحة والتوجية (ومن يثبت تخليه عن الفكر الإرهابي تطلق سراحه وتصرف له راتباً ووظيفة، ومن مايزال على غيه تحتفظ به حماية لنفسه وعائلته ومجتمعه)...

... ولكن؛ حين يتم تجاهل كل هذا ويدعي الإعلام الدولي أن السعودية اقتصت من "معارضين" أو استهدفت مواطنين شيعة، فهذا بلا شك موقف تحريضي ومغالطة متعمدة وتجاهل لحق الضحايا في القصاص..

... على أي حال؛

السعودية دولة ذات سيادة لا تقبل أن يتدخل أحد في نظامها التشريعي أو العدلي.. وطن متماسك يعيش داخله مواطنون عانوا قبل غيرهم من تداعيات الإرهاب ويعرفون مسبقاً حكم الشرع فيمن قتل نفساً بغير نفس.. وقبل أن يقصفنا الإعلام الأميركي بشعارات حقوق الإنسان نذكره بأن القصاص شمل إرهابيين هم من كان يطالب بمحاكمتهم (لقتلهم أربعة وعشرين مدنيا أميركياً في تفجيرات نوفمبر1995 ويونيو 1996).. وقبل أن تقدم إيران نفسها كمحامية لنمر النمر نُذكرها بأنها هي من أعدم 16 ألف شيعياً إيرانياً معارضاً زمن الخميني، وتستمر حتى يومنا هذا في اغتيال الشيعة العرب المعارضين لتغلغلها القومي الصفوي في جنوب العراق..